لا يمكن للمرء أن يتخيل وهو يتابع الفضائيات المتفرغة لأحداث مصر أن يرى على 'الجزيرة' ثم على غيرها أول من أمس مشهد سيارة مصفحة كبيرة الحجم تنطلق بسرعة جنونية لتقتحم مكان تجمع المتظاهرين فتدهس

لا يمكن للمرء أن يتخيل وهو يتابع الفضائيات المتفرغة لأحداث مصر أن يرى على الجزيرة ثم على غيرها أول من أمس مشهد سيارة مصفحة كبيرة الحجم تنطلق بسرعة جنونية لتقتحم مكان تجمع المتظاهرين فتدهس العشرات وتتركهم قتلى ومصابين وتكمل طريقها كأن شيئا لم يحدث، فيما تراكض الناس لإنقاذ من يمكن إسعافه.
يبدو المشهد كأنه صنع في هوليوود، والسيارة تصدم هياكل كرتونية على هيئات بشر يتهاوون تحتها وعلى يمينها وشمالها.. لكن الحقيقة أنه مشهد حي صوّره مواطن مصري، وعن طريقه انتقل إلى الـيوتيوب ومنه إلى الفضائيات ومواقع الإنترنت.
قبل ذلك بيومين عرضت الفضائيات أيضا مشهد سيارة قيل إنها أمنية تقتحم بدورها جماعة من المتظاهرين لتقتل بعضهم.. ويوحي المشهد بأن عدد الضحايا أقل من السيارة الأخرى التي قيل إنها تحمل لوحة دبلوماسية، ما يشير إلى أنها تتبع لسفارة إحدى الدول. وحالة اقتحام السيارة تشير إلى أن السائق إما مجنون أو مخمور أو مجرم متمرس بالقتل ليس لديه ذرة من الإنسانية، والأخير هو الاحتمال الأرجح.
ومن المؤكد أن القاتل والمحرض على القتل لم يدركا أن إعلام اليوم تطور واختلف عن الأمس، وأن كل مواطن يستطيع أن يصبح إعلاميا فيصور وينشر ويفضح الجريمة على اليوتيوب وغيره ويرسلها للفضائيات. وهذا ما جرى في حادثتي السيارتين، مع احتمال تصوير حوادث أخرى لم تبث بعد.. ووقوع حوادث لم يصورها أحد.
ومن الغالب أيضا أننا سنسمع تصريحا يقول إن السيارة الدبلوماسية التي سُلّم رقمها للجهات المختصة ستكون لوحتها مزورة أو تكون مسروقة.. لأن المنطق يفترض أن أي جهة دبلوماسية عاقلة لن تورط نفسها بجريمة بشعة كهذه في عصر لم يعد فيه مكان للجريمة الكاملة التي لا يكتشف فاعلها.. أما الفاعل الحقيقي فالأيام ستظهره، وأيا كان انتماؤه، فالعقاب لا بد أن يكون بحجم جريمةٍ لا يصدقها العقل، ارتكبت بحق مواطنين عزّل إلا من أصوات احتجاجهم.