إنني وأخوات لي كثرا نطالب بتحديد سن رشد للمرأة تصبح قادرة ببلوغه على التصرف بنفسها، وإزالة معوقاته المقننة لاستمرار استغلالها؛ ككرت السماح لها بالسفر، ونظام الوكيل والمعرف وغيره من ممارسات الولاية المتسلطة
مع أني لست ممن يعوِّل على إدراك أمور الواقع وصحة الحكم عليها بالرجوع لآراء فقهية قال بها أصحابها منذ آلاف السنين والتي لا تناسب سوى زمانهم، لكن كي نخاطب البعض على قدر فهومها، نتساءل أين قاعدة سد الذريعة الفقهية؟! ودرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة؟، أم أن الأمور الآن انعكست وأصبح العقوق أشد ضرراً من حرمان امرأة عاقلة راشدة حق التزوج بمن اختارت؟ أي جاهلية هذه؟ وأي ظلم أشد وأعتى؟
وإن طبقنا قاعدة أهم وهي لا ضرر ولا ضرار فما الضرر الذي سيلحق الأب مقارنة بالطبيبة، وأيهما أولى بالدفع؟ فزواج الطبيبة لا ضرر فيه على الأب، ويدفع الضرر الأكبر عن الطبيبة، هذه القاعدة التي لو قننت لحددت الكثير من الواجبات والحقوق، شرط أن يأتي تفنيدها على يد ثقات لا تتحكم بهم سلطة ذكورية أبوية عمياء تبصر الحق بالهوى.
تابعت- بأسف- كغيري ما آلت له قضية الطبيبة المعضولة، وتصديق محكمة التمييز على الحكم بصرف النظر عن قضية العضل التي رفعتها الطبيبة ضد والدها بدعوى منعها من الزواج حتى بلغت 43 عاما، واعتبارها عاقة، وإلزام إعادتها لوالدها رغم قضائها عشر سنوات في دور الحماية الاجتماعية نظرا لتعرضها لعنف أسري!! الحكم صدم الكثير كونه ينبئ عن كارثة حقوقية، والحاجة تشتد لخلق وعي طارد لهذه الثقافة العابثة بالحقوق الإنسانية للمرأة في مجتمعنا
وسؤالي: على اعتبارها عاقة، أيعطي الحق لوالدها أن يعضلها جزاء عقوقها؟، وما الأمر الأولى بالمعالجة؟، وكيف تعاد لوالد حلف على القرآن ونكث حلفه عندما عادت له بعد رفع قضيتها الأولى قبل سبع سنوات فأرهق جسدها بالعنف والتعدي وروحها بالتهديد بالقتل، هذا إضافة لندوب الكرامة الإنسانية التي ستظل لدنة ملتهبة وإن دمل جرح الجسد؟!
دعوى العضل عدها القاضي فسادا ووصمها بالعقوق، والسؤال: ما فائدة آية النهي عن العضل في القرآن؟ إذا كان الدليل الشرعي ولا تعضلوهنلا يلزم بإجبار الأب بتزويجها فماذا سيلزم هؤلاء بعد هذا، وأين حق مسألة العضل عنده؟!
لا أجدني بحاجة لاستدلال ديني أعظم من الآية الناهية عن العضلولا تعضلوهن، والنهي أقصى درجات التحريم، وقصة المرأة التي بينت أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ليس للآباء من أمر زواج بناتهم شيء، سوى التوقيع كشهادة لا كإلزام وتعنت بفرض من يرون أو ما يريدون، فأيدها الرسول عليه الصلاة والسلام قائلاً اذهبي فانكحي من شئتِ،ومن شئتِ تعني حق المرأة في الاختيار الحر كما تريد، لا تحديد الخيارات ببدائل لا تجد عنها مفراً ولا محيصا كأن تختار بين العيش مع والد جانٍ أو تتزوج بمن يختاره لها!
المحامي أثبت أن الأب عضل 3 أخريات للطبيبة تجاوزن 30 سنة في تلاعب حقوقي قاهر، إحداهن تقدم لها خاطب من نفس القبيلة لكنه ليس من الفخذ نفسه!
خرجت من تحت الساطور فكيف أعود للموت والتعذيب مرة أخرى؟ كيف أعود للعذاب النفسي والجسدي؟ لن يتوقفوا عن ذلك مهما قدموا من تعهدات ألا يتساءل القاضي عما ستؤول له الأمور بعد عودتها لمنزل ذاقت فيه صنوف الضرب والإهانة والتهديد بالقتل، ألم يفهم صرخة استنجادها؟!! إن أقل معطيات إصدار الأحكام تصور مايؤول إليه الحال وهو شرط أساسي للقضاة، أظن أن القاضي هذا بالذات يفتقده بشدة.
والدها حلف وحنث، ومن يجرؤ على الضرب لن يتردد بإعادة الكرة، وهذا دليل على أن أدوات فقه البداوة لم تعد تجدي في زمن العولمة، والحاجة تشتد للتقنين ولإصدار مدونة أسرة كاملة لا تلجئنا للتعلق بأحكام مصائرها مرهونة بضمائر وبأيمان وإن غلظت، بل بدستور منظم وقوانين مدنية ملزمة، تضبط نظام العلاقات وتمنع التجرؤ على هتك أو مصادرة حقوق وحريات الآخر، وتنصف المرأة في قضايا الزواج والطلاق والعضل والنفقة والحضانة، وهو صميم عمل التطوير القضائي الذي أوصى به الملك حفظه الله، والذي أظن أنه يعاني من دراسة نزع السلطوية لذا قرر الحبس في الأدراج، ولا تسأل عن مصير العشرة مليارات لتطويره كيلا تصادف بجنّي من يمين أو يسار يسرق عقول دارسي التحديث الذي لم نر له أثراً يذكر حتى يومنا.
يبدو أن السلطة الأبوية لها السيطرة التامة في مجتمع الخصوصية، حتى تحولت هذه السلطة إلى ذهنية أبوية أي عقل مجتمعي، يتمثل في نزعتها السلطوية الشاملة التي ترفض النقد ولا تقبل بالحوار إلا أسلوبا لفرض رأيها فرضا. إنها ذهنية امتلاك الحقيقة الواحدة التي لا تعرف الشك ولا تقرّ بإمكانية إعادة النظر.
إنني وأخوات لي كثرا نطالب بتحديد سن رشد للمرأة تصبح قادرة ببلوغه على التصرف بنفسها، وإزالة معوقاته المقننة لاستمرار استغلالها؛ ككرت السماح لها بالسفر، ونظام الوكيل والمعرف وغيره من ممارسات الولاية المتسلطة، وتحييد الولاية التملكية المفضية لعداوات، فلو قنن الأمر لما احتاجت المرأة للوصول لحقوقها عبر جني عداوات مع أقرب أقربائها، أو مضي سنوات قهر عجاف في دور حماية، أو التعرض للعنف الذي يترك بصماته المتوحشة مصبوغة في القلب والعقل قهراً مدى الحياة.
للتفكر:
1- تعاد الطبيبة لجلادها وهو في نظر شرائع السماء والأرض مذنب يستحق العقوبة في كل بلدان العالم التي تحارب العنف الأسري والتمييز الممارس ضد المرأة!
2- امرأة يتلاعب بمصيرها حتى بلوغها 43 سنة، بينما لا تثور إنسانية البعض مقدار ذرة وهي تهتك براءة الطفولة بزواج الصغيرات ؟!! أيها العقل من رآك؟!