ماذا يحمل غلاف الجسد؟.. إلى أية درجة يحتمل ثم يفيض إلى الانشطار والتعدد؟.. الكائن الواحد في صورته المعلومة ظاهريّا ينطوي على جملةٍ من التناقضات والمفارقات؛ مرآة واحدة، نعم، لكنها تتعرّض

ماذا يحمل غلاف الجسد؟.. إلى أية درجة يحتمل ثم يفيض إلى الانشطار والتعدد؟.. الكائن الواحد في صورته المعلومة ظاهريّا ينطوي على جملةٍ من التناقضات والمفارقات؛ مرآة واحدة، نعم، لكنها تتعرّض لضربات متلاحقة لا تزلزل الإطار لكنها تجعل الزجاج نثارا متلاصقا، تنعدم معه الصورة في واحديّتها، فتتبدّى الأجزاء قائمة بذاتها؛ كل جزء يسبح في عالمه النقيض المنفصل. الخروج من الغلاف؛ مغادرة وهمِ الصورة وامتلائها إلى معاينة أشبه ما تكون باقتطاع نسيج وإخضاعه للفحص والمراقبة.
طارق الجارد في مجموعته القصصية حكاية رجل على هيئة ساعة الصادرة في نشر مشترك عن مؤسسة الانتشار العربيوالنادي الأدبي بحائل، تختبر حالاتٍ من هذا القبيل؛ قائمة في الانشطار والتشظي والتحوّل. الذات ليست صمّاء وليست كًلّا واحدا. كما أنها لا تُستعاد في تراتبيّة سيكولوجيّة تفرز الأنا والهو والأنا الأعلى. الذات هنا عند الجارد في حالة ارتطام وتصادم وتوتر. ثمّة قلق ينتشر مثل الضباب، يتكدّس، وتنتأ عنه ذراعٌ خانقة تعمل على التفتيت والتذرية.. التحلّل الحاد الشوكي يصنع النقيض. من العيني والملموس يظهر ذاك التشعب والامتداد في سؤال شغوف يحاول تدبّر كثافة الوجود؛ انطلاقاً من نقطة عماء تلحّ على الكاتب بتجاوزها وردم الفراغ الذي خلفته ساترا له قبضةُ العدم وضوضاء واقع تطحن.
موضوعة الانشطار هي المهيمنة على مناخات هذه المجموعة، حتى في تلك القصص التي لا يبدو أنها لا تحيل عليه بشكل مباشر واختباري، على النحو الذي نجــده فـي القصـة الأولى + 672 أو قصة ماريا أو قصة 65... ثمة برزخ يفصل ولا سبيل لمداواته أو طمره؛ شرق وغرب؛ صحراء وبحر؛ حياة وموت؛ ضفاف مشطورة متباعدة حضاريا وإنسانيا ووجوديّا. الأمر الذي يتعدّى قدرة الكائن في التعامل معه والتحكم فيه، انسجاما مع مبدأ الواقع الذي لا نملك معه إلا نتعايش معه مهما كثرت محاولاتنا وتعددت. إلا أننا يمكن أن نغادر هذا الشرط بالانزياح إلى مقام آخر هو مقام الخيال، وهذا ما حققته قصة الرؤية التي حدثتْ على مقعد بكامبردج حيث تلتئم الانشطارات كافة تحت الاختلاف الحضاري والثقافي وسائر الثنائيات الضديّة والتقاطب والانعزال، حيث نظرية الأوتار؛ النظرية القصوى لتوحيد الكائن. عَرَضُ الاختلاف يبقى لكنه يظل دون تأثير تحت مظلة التشابه الكبيرة (... حتى انتهى بي الأمر إلى أوتار من الطاقة متشابهة في كل شيء إلا في ألحانها).. (كل أولئك صاروا أوتارا ضخمة تسبح في البياض، تعزف لي - وأنا أستيقظ - لحنا غريبا، لكنه حتما يشبه لحن حفلة الميلاد).
إذا كان الانشطار مع ما هو خارج الذات تعالجه نظرية الأوتار، إلا أن الانصداعات الداخلية تشهر مناوءتها وتعلن أقامتها الدائمة في التشظي حتى الهذيان والانتحار والقتل؛ بعضي يمزّق بعضي كما كتب كامل الشناوي في مقام مختلف.
وربما تلخّص قصتا التفاحة المأزومة والدائري هذا المصير الانشطاري الذي لا يفضي إلى مخرج. لا فرصة لاحتمالات التحليق ولا أفكار جديدة للانعتاق.. وتتراءى له المخارج الأخيرة كاحتمالاتٍ للعدم.