تلمساني: مخطط تطويري للمنطقة لتوفير طرق ذات كفاءة تصميمية ومرورية وخدمات بلدية
لا تقف هموم سكان حي الكرنتينة الشعبي في جدة عند حدود مطالب بتوفير الخدمات الغائبة مثل الخدمات الصحية أو معالجة إشكاليات انقطاع الكهرباء والمياه أو افتقاد الحي إلى السفلتة والنظافة والصرف الصحي وإنما تمتد إلى ما هو أخطر من ذلك وهو انتشار الأمراض الوبائية والحشرات وفي مقدمتها الفئران، والعمالة المخالفة من جنسيات إفريقية عديدة الأمر الذي يجعل من الحي بؤرة لتفريخ العناصر الإجرامية لاسيما في ظل انتشار إدمان المخدرات.
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: إلى متى سيظل هذا الحي عشوائيا ومنسيا من جانب الجهات المختصة؟.
يجيب على هذا التساؤل الرئيس التنفيذي لشركة جدة للتنمية والتطوير العمراني المملوكة بالكامل لأمانة محافظة جدة؛ والتي تتولى مشروع تطوير المناطق العشوائية المهندس طارق تلمساني حيث قال إنه تم تصنيف حي بترومين (الكرنتينة) كأحد الأحياء التي ليس لها مقومات استثمارية، ولا تشجع مشاركة القطاع الخاص على تطويرها، وهي ضمن المناطق العشوائية التي تكون فيها القيمة المضافة للعقارات بعد التطوير، طبقاً لاعتبارات السوق، لا تغطي تكاليف النزع والتعويض والتطوير، وهي تتشابه مع أحياء مناطق العزيزية والجامعة والربوة وكليو 14 شمال ومدائن الفهد وقويزة وبني مالك والثغر والروابي والسلامة وكيلو 11.
وأضاف تلمساني: وضعت شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني بالتعاون مع أمانة محافظة جدة هذا الحي ضمن أولويات الخطة الخمسية القادمة من أجل تطويره حيث تعتمد آلية تطوير المناطق العشوائية التي ليس لها مقومات استثمارية ولا تشجع مشاركة القطاع الخاص على قيام الأمانة بدعم اقتصادات المنطقة المستهدفة، لترتقي إلى مستوى المناطق التي لها مقومات استثمارية لتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في تطويرها، وذلك بأن تقوم الأمانة والشركة بإعداد مخطط تطويري للمنطقة المستهدفة بغرض توفير طرق ذات كفاءة تصميمية ومرورية بالمنطقة، وكذلك توفير خدمات بلدية ومواقع خدمات أُخرى حسب حاجة المنطقة.
كما تعد الأمانة - والحديث ما زال للتلمساني- ميزانية تقديرية لتنفيذ المخطط التطويري المعد من قبلها ليشمل المبالغ المطلوبة لنزع الملكية والإزالة والتنفيذ لجميع الطرق والخدمات البلدية ومواقع الخدمات الأُخرى المطلوب توسعتها أو استحداثها، على أن تقوم الأمانة بعرض الميزانية التقديرية على اللجنة التحضيرية لمراجعتها تمهيداً لرفعها إلى اللجنة الوزارية وتتم معالجة ما تتطلبه من اعتمادات مالية.
وأكد تلمساني أن الشركة ستقوم بالدخول في مشاركة مع مطورين من القطاع الخاص لتطوير المنطقة المستهدفة، على أن تنفذ الأمانة الخدمات البلدية والشوارع الرئيسية المقترح إيجادها أو توسعتها بالمنطقة وربطها بشبكة الطرق الرئيسية بالمدينة لدعم اقتصادات مشاريع التنمية العقارية بالمنطقة المستهدفة. وتقوم الجهات الحكومية المعنية بنزع ملكية مواقع الخدمات المخصصة لها، ومن ثم تنفيذ الخدمات المحددة في المخطط التطويري، وتعدل الأمانة أنظمة البناء بالمنطقة المستهدفة لتعزيز فرص التطوير العقاري، وفقاً لدراسة فنية، ويعتمد التعديل من صاحب الصلاحية.
منحة للمهاجرين
وفي جولة، قام بها فريق الوطن، تناول سكان حي الكرنتينة ما يعانونه من مشاكل، حيث كانت البداية مع الشيخ حسن عبد العزيز البسيسي، الذي أكد أن حي الكرنتينة منحه الملك فيصل رحمة الله عليه، للمواطنين الذين هاجروا من الحبشة، مشيرا إلى أنه أوصى بالاهتمام به، وسكنته الكثير من العائلات السعودية الذين شكلوا علاقات اجتماعية مترابطة. وأضاف: فوجئنا بهجمات وافدة من جنسيات إفريقية سيطرت على بعض المنازل التي هجرها أصحابها للعيش في مدن حديثة.
مخاطر ومخالفات
يشكل الوضع الصحي المتدني في حي المصفاة خطرا داهما في ظل الأبخرة المنبعثة من مكب النفايات الذي يبعد مسافة 100 متر فقط عن بنايات الحي.. هذا ما قاله كل من صالح عبدالله وإبراهيم السيد، حيث أكدا أن سيارات القمامة تبدأ تفريغ حمولتها وتعمل ماكينات كبس القمامة بعد الظهر. ويشكل المكب مرتعا لانتشار الوزغان والفئران والصراصير والذباب والعقارب والثعابين. وأضافا: قدمنا سابقا الكثير من الشكاوى، طالبنا فيها بنقل مكب النفايات خارج المنطقة ولكن دون جدوى. وأكد إبراهيم السيد أن عائلته المكونة من 16 شخصا يعاني جميع أفرادها من أمراض مختلفة.
إهمال وخدمات مفقودة
ويرى إبراهيم علي فرج، مندوب بالغرفة التجارية بجدة، أن الضرر شل سكان الحي. وقال: بصفة عامة يخجل السكان من كثرة الشكاوى، مؤكدا عدم وجود مركز صحي يخدم الحي. وأضاف أن الحي يعاني من الإهمال من قبل البلدية، فالكهرباء والمياه دائمة الانقطاع والشوارع تحتاج إلى سفلتة وتنظيم وإنارة وكثيرا ما قدم سكان الحي شكاوى للشرطة والبلدية دون جدوى. ويضيف المواطن محمد زياد أن منزله تهدم بعد هبوط السيل، ومع عدم مقدرته على إصلاح منزله اضطر للجلوس على بقايا الفرش المتهالكة.
مخدرات وإدمان
الكرنتينة والمصفاة والمحجر وغليل.. أحياء لا تصلح للسكن الآدمي، هذا ما أكده أكثر من شخص تحدثوا لـالوطن، حيث قال المواطن صالح عبدالله: نحن سكان الحي نعامل كغير السعوديين الذين يسكنون في الشمال، ففي حين نعاني من غياب الخدمات ونفتقد للصرف الصحي وإنارة الشوارع. وسبق أن أرسلنا شكاوى للبلدية ولم يصلنا أي إصلاح. وأصبح حي الكرنتينة أكثر خطورة على الفرد والناشئة، فالحي يعج بجنسيات إفريقية تعودت على التسول، إضافة إلى أن هؤلاء يمثلون بؤرة لتفريخ المجرمين. وفي السابق كان الحي يسكنه سعوديون هاجروا من الجنوب قبل أن يتمركز فيه أفارقة يتاجرون بالمخدرات على حد قوله. وبات الإدمان وتعاطي الحشيش والشمة شيئا عاديا بل منتشرا بين طلاب المدارس.
مركز صحي واحد
فاجأنا مسؤول صحي بالتأكيد على انتشار حمى الضنك والجرب وأنفلونزا الخنازير. وأضاف: في فترة قريبة حدثت 5 حالات وفيات لأطفال وشباب أصيبوا بمرض السل. وأشار إلى وفاة الكثير من مرضى الإيدز، إضافة لإصابة الكثيرين من سكان الحي بمرض الكبد الوبائي. وأكد المصدر أن السرطان يأتي في مقدمة الأمراض التي يعاني منها سكان الحي . وعزا السبب إلى استنشاق الأبخرة الملوثة المنبعثة عبر الهواء، وتناول السكان مواد غذائية منتهية الصلاحية. وقال إن بعض الأفارقة يتناولون البيض الفاسد والعيش العفن بعد أن تقع عليه الفئران والوزغان والصراصير.
وأكد المصدر أن مركز صحي الثعالبة يخدم ما يقارب 23 ألف نسمة من سكان 5 أحياء قريبة منه هي (المصفاة – الكرنتينة – غليل ـ الكويت – المحجر) ويخدم فيه طبيبان و3 ممرضين و5 مسؤولين إداريين .
السحر والشعوذة
شباب يعانون من أمراض نفسية سيطرت عليهم عزلة اجتماعية بدافع الخوف من العار، هذا ما ذكره طالب متوسطة استوقفنا هو وزملاؤه عندما علموا أننا صحفيون. وقال: نحن نحتاج إلى المساعدة، فالحي يضم الكثير من المعاقين والمرضى النفسيين. وأكد أن شقيقه يعاني من إعاقة وشلل جسدي كامل، ويصرف له الضمان راتبا لا يكفي علاجه.
وقال زميل له إن أغلب طلاب مدرسة زيد بن سهل يتناولون الشمة والمخدرات، وهذا رائج بين طلاب المتوسطة، ويعاني الكثير من شباب الحي من الصرع وأمراض نفسية تجعلهم يهيجون ليلا مسببين الفزع للسكان. وترفض الصحة النفسية تنويم جارنا وشقيق زميلي في المدرسة، وتأمر ذويه بتكبيله بالحبال خوفا من أن يؤذي أحد الجيران أو نفسه.
وشكت مسنة وأرملة من الإهمال والأضرار التي لحقت بمنزلها جراء سيول جدة الأخيرة. وقالت: ينقصنا الكثير من الخدمات.
أما علي يحيى محمد زيد (من مواليد حي المصفاة) فقال: إن الحي يعاني من الفقر والبطالة والجهل وانتشار الأوبئة وكثرة الإعاقات والسكر والضغط وانتشار السحر والشعوذة وبه عدد كبير من المرضى النفسيين الذين يرفض مستشفى الصحة تنويمهم، ولا نجد أي اهتمام من المسؤولين، وقمنا بتقديم شكاوى لا حصر لها. ويشكل السكان السعوديون 30% من سكان الحي. وقد اضطر بعضهم للانتقال للوزيرة والخمرة، ويسكن الحي الكثير من الجنسيات الأجنبية من الهنود والنيجيريين والبنجلاديشيين والآسيويين.
النظافة مفقودة
وفي السابق قضت الشرطة على عصابات إجرامية تتاجر في المخدرات. وأشار زيد إلى انتشار تعاطيها بين طلاب المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية. وقال: بفضل جهود إمام مسجد الحي، الشيخ عبدالله البسيسي تم افتتاح مكتب أصدقاء المجتمع الذي تشرف عليه مجموعة خيرية ترعى الأسر المحتاجة، وهذا تم منذ 3 أشهر فقط .
واعترف بأن القطط تخشى الفئران في الحي، وأن عمال البلدية لا يأبهون بشكوانا للمسؤولين ويشترطون تقاضي أتعاب مقابل رش المنازل. وأشار إلى أن آلاف المواطنين رفعوا سابقا العديد من الشكاوى التي انتهت إلى الأدراج. وقال: طموحات السكان انحصرت في وضع أعمدة كهرباء وسفلتة الشوارع وتوصيل الحي بشبكة صرف صحي وضخ المياه الصحية المعقمة ولن ولم يحدث هذا. وقال: ترتفع نسبة الأفارقة في الحي، خاصة من نباشات القمامة بحي المصفاة وممارسي الإجرام في موسمي الحج والعمرة. وتطارد الشرطة الكثير منهم على مدى العام. كما تنتشر الدعارة بينهم وكذلك لعب القمار والسرقة وبيع المخدرات.
وقابلنا مسؤولا حكوميا (عسكري) يسكن الحي، فرفض ذكر اسمه، مطالبا بتغيير عمدة الحي. وأكد أن هناك أمثلة كثيرة ممن نذروا أنفسهم لخدمة مجتمعهم، ولم نلمس ذلك من عمدة الكرنتينة، فجميع سكان الحي يتدبرون قضاء حوائجهم من التسول، بل يتعاطى بعضهم أدوية منتهية الصلاحية إذا مرضوا. كما أكد أن الحي يعاني من نقص الخدمات. وقال: يدرس أبناء الحي في 4 مدارس ابتدائية ومتوسطة وينقصه مدارس ثانوية ومراكز صحية.
مساكن منخفضة التكاليف
وترى مها آل غالب، عضو الجمعية النسائية الخيرية الأولى بجدة، أن تضرر الأحياء العشوائية جراء السيول التي ضربت جدة مؤخرا جاء نتيجة التكوين العشوائي لمنازل تلك الأحياء، خاصة غليل والكرنتينة وما جاورهما. وتقترح آل غالب إنشاء مساكن إيوائية منخفضة التكاليف يقوم بدفع تكاليفها رجال أعمال من داخل المملكة أو مستثمرون.
إعادة التخطيط
وينتقد مدير عام التطوير العقاري بمجموعة زكي فارسي، المهندس عبد العزيز دليم الغامدي، وجود أشكال العشوائيات غير المقبولة عمرانياً في جدة، موضحا أن الأحياء العشوائية مشكلة تعاني منها العديد من المدن السعودية والدول الأخرى بشكل كبير، وهي ناتجة عن سوء التخطيط العمراني وعدم إدراج مفهوم استخدامات الأراضي بالشكل الصحيح الذي يلبي حاجات المجتمع ويخدم الساكنين في الحيز العمراني الواحد، فالعشوائيات ليست ناتجة عن السكن بدون مستندات في مجاري الأودية أو السهول أو أعالي الجبال فقط، بل قد تتعدى ذلك إلى عشوائيات داخل الحي المنظم والمعتمد سابقا بوجود مبان لا تحترم حق الجار ولا حق الطريق ولا حق المنافع العامة، وتعتدي عليها بشكل سافر يجعل من تلك الأحياء الجميلة أشبه ما تكون بالعشوائية في سوء استخدامات الأراضي وما خصصت له وعدم الالتزام بأنظمة البناء. وأضاف: ما حدث في جدة ليس وليد الصدفة أو ناتجا عن حادثة غير متوقعة، بل هو نتاج مغالطات سنين عديدة من سوء التخطيط وسوء التنفيذ وقلة الرقابة الصارمة فيما يحمي مصلحة المجتمع من خلال حماية مصلحة الفرد، والحل إعادة هيكلة الأحياء العشوائية التي نشأت (تخطيطا أو بوضع اليد)، ويتطلب ذلك رؤية بعيدة المدى لما قد يحدث من أضرار إنسانية، نظرا لوجود أشخاص مازالوا يعيشون في تلك المناطق و قد لا يقدرون حجم الأخطار التي تحدق بهم جراء سكنهم في مثل تلك المناطق. ويقول: قد يكون الدواء مرا ولا يتقبله البعض، ولكن إذا كان هذا الدواء هو السبيل الوحيد لقتل العشوائيات بكل أشكالها ومخاطرها فلا بد منه، أعني هدمها.