من تابع قناتي التلفزيون التونسي (7، 21) منذ بدء الأحداث التي جعلت الرئيس (بن علي) يتخلى عن السلطة، يشعر بالحرج الكبير الذي كانت ترتسم معالمه على مذيعي القناتين، خصوصا بعد أن تأكد للجميع أن النظام السياسي تغير تماما.
إلى ما قبل خروج الرئيس من البلاد، كان التمجيد والتبرير هما القاسم المشترك في كل الطروحات، ثم فجأة تحول الأمر إلى شراسة في الشتائم والانتقاص من جميع من كان على هرم السلطة. شخصيا لا ألوم هؤلاء المذيعين أو القائمين على القناتين الفضائيتين، فالمشكلة ليست في تأهيلهم المهني ولا في أشخاصهم، لكن المشكلة هي مشكلة النظرة السياسية والاجتماعية لمفهوم الإعلام والإعلامي في معظم الدول العربية، حيث ما زال الكثيرون يرون أن الإعلامي مجرد دمية يحركونها كما يريدون. فعند تأسيس وسيلة إعلامية حكومية أو خاصة، أول ما يغفل هو بناؤها على قيم مهنية لا تمنع ـ إن وظفت بشكل صحيح ـ خدمة توجه معين، سواء أكان وطنيا أو حزبيا أو حتى فكريا، ولكن وفق حد أدنى من القيم والمعايير المهنية التي لا تجعل الأمر مفضوحا ومتناقضا بهذا الشكل المخيف الذي أفقد الإعلامي العربي مصداقيته أمام الرأي العام، وبالتالي أصبح هو الضحية الأولى والأخيرة.
هذا لا يعني أن الإعلام الغربي الذي يسير معظمه على أسس مهنية معينة حيادي، فلا يوظف لخدمة مصالح دول أو جهات اقتصادية أو ثقافية، بل العكس لا تنشأ قناة أو تطلق صحيفة، إلا ولها هدف واضح يخدم الجهة التي تقف خلفها.. لكن الفرق هنا هو كيف توظف الوسيلة الإعلامية بشكل مقبول مهنيا، وكيف يبنى لها حد أدنى من المهنية والمصداقية، حتى يمكن في النهاية، جعلها مؤثرة في المتلقي. وفي رأيي أن الدرس التونسي الذي يجب أن تستفيد منه جميع الفضائيات أو المؤسسات الإعلامية، يحتم على القائمين عليها، وضع معايير وخطط جديدة تحاول مسح مفهوم الدمية الإعلامية من أذهان العامة، حتى يحفظ الإعلاميون ومؤسساتهم الرسمية والخاصة ماء الوجه، ويكسبوا ثقة المجتمع الذي يخاطبونه ليل نهار.