الوطن

قالت العرب قديما (أشرى الشر أصغره) وذلك عندما اقتتلت قبيلتان بسبب (قطرة عسل)، وخسرت القبيلتان في تلك المعركة الكثير من القتلى وأنتجتا عداوة توارثتها الأجيال، ولو أن حكيما منهما غلّب الحلم على العصبية لما كان ذلك.
انتهت مباراة النصر والهلال منذ أسابيع ولا زال جمهور الفريقين يمارس نوعا من الاستفزاز لبعضهم البعض في وسائل التواصل الاجتماعي. واستمر التنابز بالألقاب والانتقاص من الطرف الآخر. وقبل ذلك كانت هيئة الهلال الأحمر قد أعلنت أن فرقها الإسعافية باشرت 92 حالة في مباراة الديربي الشهير، مبينة أن جميع الحالات تم علاجها بالملعب عدا حالة تم نقلها لأقرب مستشفى، وأوضح الإعلان أن الحالات تفاوتت بين حالات تنفسية وقلبية ونزيف وتشنجات وارتفاع بمعدل سكر الدم.
التعصب الرياضي هو الحب الأعمى لفريق بعينه والكراهية والبغضاء للفريق المنافس. بل أحيانا تمني الضرر للفريق الخصم وإغفال كل الحقائق عن التنافس الشريف، والموضوع ليس سوى رياضة وترفيه. ويفقد الكثير حلمهم ومبادئهم مع حالات التعصب، وينكشف قناع الهدوء والحلم الذي قد يرتديه البعض لفترة طويلة، مع أول مواجهة مع الفريق الخصم لتظهر الصورة القبيحة لذلك الشخص المتعصب.
ولبحث أسباب التعصب الرياضي نجد أنها أسباب كثيرة ومتشعبة ومنها المواقف السيئة من جماهير الفريق المنافس، وتنشئة الأجيال على عدم تقبل الاختلاف والرأي الآخر والأنانية. كذلك يغلب على الشارع الرياضي غياب الثقافة الرياضية التي يجب أن تكون في الأصل تنافسا شريفا، فالرياضة ليست إلا تربية للأذهان والأبدان. وقد تتطور الأسباب لتشمل أسبابا نفسية تجعل لدى بعض المشجعين القدرة على إيذاء الطرف الآخر لفظيا وجسديا. وقد يتطور الأمر عند البعض المشجعين ليصبح حب الفريق والتعامل مع هزيمته نوعا من المرض النفسي الذي يظهر على شكل قلق وتوتر، وقد تؤدي تلك الأعراض إلى مضاعفات جانبية لا سيما مع المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكر والقلب، كذلك يصبح الشخص المتعصب منزويا على نفسه معتزلا للآخرين، متجنبا كل نقاش عقب كل هزيمة. وتكمن الخطورة في نشأة الأطفال في هذا المحيط من التوتر والقلق والتعصب والألفاظ النابية، فتجعل الطفل متعصبا في آرائه عنيفا في ردة فعله، يختار أصدقاءه حسب ميولهم ويتجنب الآخرين الذين يجد منهم تعاطفا أو ميولا للفريق المنافس.
ويلعب الإعلام الرياضي دورا كبيرا في تغذية التعصب الرياضي وتأجيج المشاعر وإصدار التصريحات الاستفزازية، والانحياز وعدم المصداقية في الطرح مع الأحداث الرياضية. بل إن البعض من تلك الأقلام نجده حادا في انتقاداته لاسيما في حالة خسارة فريقه المفضل، فيتهم الآخرين بالتواطؤ وعدم النزاهة ويقدحهم بأسوأ الصفات.
ورغم محاولات التخفيف من حالات التعصب، إلا أن موجة التعصب تزداد وذلك لغياب أساليب الإصغاء والاستماع، وعدم تقبل الهزيمة وأخذ الأمر على محمل شخصي، وعدم التمتع بروح المرح والدعابة.