نحن جميعاً مسؤولون مسؤولية مباشرة عن نظافة مدينة جدة، وتطوير مرافق محافظة جدة، ورفع مستوى الخدمات في عروسنا الجداوية. نحن جميعاً ملتزمون بالتضامن والتكاتف مع أمانة جدة لحل مشاكل مدينتنا وإزالة معاناة محافظتنا
يؤكد القرآن الكريم أن مبعث غالب المصائب من النفس البشرية: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ. لذا أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نبدأ في إصلاح أنفسنا من الداخل: إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ، حيث إن التأثير الخارجي علينا لن يتحقق ما لم تكن هنالك قابلية للتغيير من الداخل.
المجتمع الجدّاوي، الغاضب على أمانة جدة بسبب تحميلها أسباب تردي أحوال عروسهم، أصبح كالمجالس العربية التي طفح بها الكيل غضباً على أميركا بسبب تحميلها كلّ مشاكل العالم العربي وجلّ مصائب الشعوب العربية.
أصبحت أميركا اليوم الشماعة المثالية التي نعلق عليها أسباب تقصير شعوبنا وتفاقم مشاكل أوطاننا. إذا فشلت مجموعة خرائط الطريق في حلّ قضيتنا المزمنة، تنصبّ الملامة على تواطؤ أميركا مع أعدائنا، ونتجاهل رعونة فصائلنا المتناحرة وعدم التزامها باتفاق مكة المكرمة وابتعادها عن تطبيق أبسط مبادئ لمّ الشمل وتوحيد المواقف.
إذا تراجعت تجارتنا العربية في الأسواق العالمية بنسبة 33% خلال العقدين السابقين، فالسبب هو تسلط أميركا على العولمة، ونتناسى أن هنالك 153 دولة عالمية سبقتنا في الالتحاق بقطار العولمة، وأنشأت 124 تكتلاً تجارياً و113 تحالفاً اقتصادياً و37 وحدةً نقدية، لتستفيد منها في تحقيق مكاسب صافية، على حساب الدول المنكفئة والمتفككة، ولتغزوا بصادراتها المميزة كافة دول القرية الكونية الموحدة.
إذا ابتلعت أودية الفقر المدقع 25% من شعوبنا الإسلامية وتراجعت قدرات محاصيل غذائنا إلى 40% فقط من إمكانيات دولنا الزراعية، فلا بد أن نتهم أميركا لإخفاق سياستها التموينية في سد احتياجاتنا. ونحن نتناسى أن العالم الإسلامي يحتوي على 6 من أطول أنهار العالم (النيل، النيجر، السند، الفرات، دجلة، السنغال)، و4 من أعظم بحيرات العالم (قزوين، فكتوريا، آرال، تشاد). كما نتناسى أن 57 دولة إسلامية، من أصل 203 دول في العالم، تمتلك 67% من ثروات الأرض وتنتج 43% من الطلب العالمي على النفط و8% من الغاز الطبيعي و47% من القصدير و23% من الحديد.
إذا أخفقت أكوام البيروقراطية وتلال المحسوبية وجبال الفساد في نهضة العلم والفكر والمعرفة بين شعوبنا العربية، فالسبب حتماً أميركا لهيمنتها الفكرية على تقنية المعلومات والشبكة العنكبوتية، ونحن نتناسى أن علماء المسلمين كانوا أول من اكتشف مبادئ المعلوماتية ومعادلات الحاسوب وقواعد الجبر والهندرة الهندسية.
إذا تنازلت خطوط الطيران الوطنية العريقة عن مزاياها التنافسية بين أقرانها المبتدئين، وأضاعت مطاراتنا الكبيرة مزاياها التنافسية أمام مطارات الجوار الصغيرة، فلا بد أن السبب هو إخفاق اتفاقية شيكاغو الأميركية في حماية ممراتنا الجوية. ونتناسى أن خطوطنا الوطنية ومطاراتنا المدنية بحالتها الراهنة لن تصمد طويلاً أمام المنافسة الخليجية العاتية إذا فتحنا لها أجواءنا.
ذكاؤنا العربي الفّذ الذي اكتشف نظرية المؤامرة الأميركية المحاكة ضد شعوبنا، لن يفشل مطلقاً في اكتشاف نظرية المؤامرة المحاكة في أمانة جدة ضد أهالينا، والتي نصرّ على اتهامها بتلويث بيئتنا وتفاقم سيولنا وتهالك بنيتنا وتراجع مطاراتنا.
إذا أمطرت السماء خيراً، وغرقت الطرق وطفحت المجاري، انصب لوم شركات المقاولات على تقصير أمانة جدة. وإذا امتلأت الأحياء بمخلفات البناء وأكوام القاذورات، عبّرت شركات النظافة عن خيبة أملها في عدم تعاون أمانة جدة. وإذا تكدست الأحياء العشوائية بالعمالة الأجنبية المتخلفة، اتهم كفلاؤها أمانة جدة بالتهاون في الرقابة على مطاعم الأزقة ومقاصف الحواري.
نحن جميعاً مسؤولون مسؤولية مباشرة عن نظافة مدينة جدة، وتطوير مرافق محافظة جدة، ورفع مستوى الخدمات في عروسنا الجداوية. نحن جميعاً ملتزمون بالتضامن والتكاتف مع أمانة جدة لحل مشاكل مدينتنا وإزالة معاناة محافظتنا.
بإمكان رجال أعمال جدة أن يتعاونوا على تطوير مطارهم الدولي ليصبح أهم محطة للنقل الجوي التجاري في العالم بين دول الشرق والغرب، بدلاً من أن يخجلوا من ضعف إمكاناته وتدني مستوى خدماته. وبإمكان تجار جدة، أن يستثمروا في مينائهم ليصبح أعظم ميناء للتجارة الدولية في العالم من خلال استيراد وتصدير السلع والمنتجات، بدلاً من أن يخشوا عليه من منافسة الموانئ الصغيرة الناشئة المحيطة به.
بإمكان صناّع جدة، أن يؤسسوا أكبر معقل صناعي في العالم لتجميع السفن والحاويات والناقلات البحرية، وإنتاج أفضل محطات تحلية المياه وأجهزة الطاقة الشمسية ومعدات مكافحة التلوث وقطع غيارها، خاصة أن أهالي جدة من أكثر شعوب الأرض اعتماداً على المياه المحّلاة وأكثرها تضرراً بالمشاكل البيئية المزمنة.
بإمكان أهالي جدة أن يجعلوا من مدينتهم مركزاً دولياً لأعظم المعارض التقنية وأهم المؤتمرات والمنتديات العالمية، ومقراً فريداً لترويج الفرص التجارية الرابحة وملاذاً آمناً لأرقى الفنادق والمطاعم والمتاجر وأكبر البنوك والمستشفيات والقرى السياحية.
في أحد المجالس الجداوية، احتد النقاش حول سبب تدهور خدمات مطار جدة، فما كان من أحد (الخبراء) إلا أن ألقى باللوم على الشركة الأميركية التي صممته، لأنها اختارت وسائل نقل الركاب المستوحاة من مطار دالاس في مدينة واشنطن بأميركا.
مصائبنا هي من صنيع أعمالنا، وبسبب إهمالنا في التصدي لتحديات بيئتنا. علينا أن نتوقف عن اتهام غيرنا حتى لا نفشل في حلّ مشاكلنا. بل علينا أن نتكاتف جميعاً ونقف مع أمانة محافظة جدة لتطوير ذاتنا ورفع معاناتنا.