تجاذب بعض الزملاء -اليوم- حديثا أنيقا حول ضرورة تقديم هدية للزوجة في ذكرى يوم الزواج. وبدا أن كثيرين كانوا مؤيدين للفكرة، وداعمين لها، ومطالبين بها، غير راضين بأن تكون هدية متواضعة قليلة القيمة، بل طالبوا بأن تكون هدية قيِّمة ذات ثمن غالٍ، متبوعة بأن تُقدم في جلسة رائقة على إحدى طاولات مقهى فاخر، وغيرها مما ذكروه، إقرارا منهم بدور الزوجة في الأسرة، وصبرها وتضحياتها وغيرها، وكأن الزوج بلا أدوار فيها!.
وحين طُلب إليَّ أن أذكر رأيي فيما قالوه، وذكروه، قلت لهم: إنني مع كل فكرة، أو عمل من شأنه تقوية العلاقة الزوجية، وإشعار الزوجة بقيمتها ودورها المهم في كيان الأسرة، بما في ذلكم الهدية.
قبلت الكلام كفكرة، لكنني تحفظت على المضمون كثيرا!
فليست قيمة الحياة الزوجية في هدية تُشترى بمال!
الحياة الزوجية أكبر من ذلك بكثير، فهي حياة شراكة بيد الزوج والزوجة، وكلاهما له أدوار مهمة فيها، فليست الزوجة وحدها من تحب، وتضحي، وتصبر، لأن هذه الأدوار يقوم بها الزوج أيضا، بل ولربما تفوق فيها على الزوجة، باعتباره هو من يسعى، ويجهد، ويحفد، ويخطط، ويقوم بتلبية طلبات الزوجة ذاهبا وعائدا بها. كل هذه أمور وأدوار كبيرة، وهي كبيرة ربما حتى على الزوجة!
كنت أقول لهم: إن الزوج الذي يبالغ في تقديم الهدايا لزوجته، هو زوج ربما شعر في داخله بالتقصير نحوها، فما فائدة الهدايا الثمينة، والزوج يضيع على الزوجة أوقاتها الثمينة بسفره المتواصل، أو خروجه المتكرر مع الأصدقاء، أو انهماكه في مشاغله الخاصة من تجارة، أو غيرها، وأذكر أني قد قرأت مرة حديثا لزوجة كانت متوجسة جدّا من هدايا زوجها الغالية والمتكررة بمناسبة ودون مناسبة، لأنها تدرك تماما مدى تفريطه، أو رغبته في الزواج من أخرى!
إن الحياة الزوجية الحقيقية هي الحياة القائمة على فهم مبدأ الشراكة، والذي ستنبثق منه كل الواجبات والأدوار الجميلة من حب، ورحمة، واهتمام، وسعي في قضاء المصالح، واشتراك في التربية، والبناء!
شاهدنا صورا كثيرة لأزواج عاشوا حياة جميلة لسنين طويلة، في مجتمعات فقيرة، في بيت متواضع جدا، لكنه بيت مملوء بالحب والاهتمام، والحنان والاحترام، ولذا دامت العلاقة، وقويت الشراكة، بعيدا عن الشكليات، والمظاهر البراقة، والتقاليد الهشة الوقتية التي ستزول مع الزمن، وتُنسى مع تغير الحياة!
اُبنوا بيوتكم على قواعد الحب والرحمة والاهتمام، ولا تشيدوها بأدوار مادية، تجعل الحياة وقتية ضيقة، هي دائما في انتظار «هدية»!.