ليس غريبا وجود شريحة مهووسة بالعصبية والعنصرية في مجتمعنا – بل وفي أي مجتمع -، ولكن الخطير أن تتماهى إحدى المؤسسات الصحفية التي لها ثقلها وتاريخها مع أطروحات التشرذم والفرقة وضرب اللحمة الوطنية! ثم تفتح المجال للخوار الصحفي لينفث عصبيته على صفحاتها متزامنا مع الخطاب الوطني الداعي للوحدة والتماسك ونبذ العنصرية الصادر من مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني! فعبر مقالة عنونتها كاتبتها (التشدد والتزمت في الحوار الوطني) تظهر ثنائية نحن/ هم بأقبح صورها، في خطاب متهافت يعتمد الإنشائية والغمط والخلط والتعميم؛ ويفتقد المنهجية والتوثيق ليدق أسفين الفرقة والاحتراب بين فئات الوطن الواحد. تقول الكاتبة: (فليسمح لنا القائمون على حوارنا الوطني أن نطالبهم بأن يخصصوا حلقة الحوار الوطني للعبارات الاستفزازية واللغة الإعلامية الجديدة التي أصبحت تتجاهل اسم المملكة العربية السعودية ككيان كبير تذوب داخله جدة ومكة وخلافه فما نقرأه ونسمعه ونراه عبر الكثير من القنوات الإعلامية من إطلاق عبارة الجداوية والمكاوية وإلخ من عبارات تخرج هذه الفئات من منظومة الوطن)!
ونلاحظ هنا تجاهل الكاتبة لصفة المكرمة التي تتبع دوما مكة شرفها الله، متجاوزة خصوصية مكة المكرمة كأشرف البقاع على وجه الأرض.. ولن أجاري الكاتبة في سوء الظن وسأفترض أن التجاهل ناتج عن السهو؛ وجلّ من لا يسهو! ثم تفترض الكاتبة؛ بخطاب مشبع بالاتهامات والتشكيك في الولاء؛ أن كلمة (الجداوية) أو (المكاوية) تتضمن الخروج من منظومة الوطن؛ وليست مجرد انتماء جغرافي اجتماعي لمدينة من مدن الوطن؛ وهو اتهام عجيب ففي كل بلاد الدنيا يُنسب الناس لمدنهم فيقال القاهريون والباريسيون والنيويوركيون وهلم جرا! ثم تسهب الكاتبة بلغتها الانفعالية ودون توثيق: (بل إن البعض من الكتاب ركز كثيراً على استخدام نحن أهل جدة كنا وكنا.. إلى أن وفد إلينا.. الوافدون من الشرق والشمال والجنوب أساؤوا لمجتمعنا ولخصوصيتنا وكأنهم ينتمون لدولة أخرى). وتقصد بهم كتاب من أهل جدة مشككة بولائهم وانتمائهم للوطن، فيما لا تذكر المصدر الذي استقت منه معلوماتها، وهل هو صحيفة رسمية أو موقع إلكتروني يمارس فيه بعض خفافيش الإنترنت شخبطاتهم العنصرية! ثم تأتي الطامة الكبرى في قولها: (وهذا لا نجده في لغة الخطاب للكتاب الذين ينتمون للقبيلة أو المناطقية فلم نقرأ عبارة الرياضيين او العسارية أو الشمامرة أو الغمد والزهارين إلخ من أسماء المناطق أو القبائل بل نقول دائماً وأبداً نحن السعوديين لا فرق بيننا سواء كنا من سكان الأرض الأصليين أو الذين ينتمون للوطن بالجنسية! فتحضر هنا ثنائية نحن الخير المطلق والوطنية؛ مقابل هم المجردون من كافة فضائل نحن! ثم تؤكد أفضلية وأصالة نحن على هم ، فنحن سكان الأرض الأصليون، وهم الذين ينتمون للوطن بالجنسية! فالجنسية السعودية هنا مقامات ودرجات - حسب الكاتبة- ؛ سعودي من سكان الأرض الأصليين وآخر منتمٍ للوطن بالجنسية فقط!
وهنا أترك للقراء الكرام الحكم على نوعية الخطاب وهل يصح صدوره من مؤسسة صحفية عريقة؟! والأسبوع المقبل نكمل.