نايف عبوش

في الديرة يمكن تلمس طاقات شبابية كامنة، وواعدة في المجالات الأدبية، الشعرية منها، والنثرية، والقصصية، على حد سواء. وإذا كانت تلك الطاقات لا تزال حبيسة لأسباب كثيرة، لعل في مقدمتها التثبيط ومنحى النقد غير الهادف، وتواضع بيئة التلقي المنغمسة بانشغالات أخرى تطغى على الاهتمامات الأدبية، والثقافية، في الوقت الحاضر، وغيرها من الأسباب، فإن ذلك لا يعني بالضرورة، أن تلك الطاقات ستبقى مجمدة، وخاملة إلى الأبد.
ولذلك فإن تلك الطاقات الكامنة تحتاج إلى تفجير، كيما تغادر حالة السكون، وتأخذ دورها في الإبداع، والشروع في العطاء، وذلك من خلال تجاوز معوقات التفتيق ابتداء، ومنها بالطبع اختراق حواجز التهيب، سواء، النقدية التقليدية منها، أو المتلقية غير المتذوقة، والتي ربما لا تزال تحد من انبثاق إبداعات متألقة، تدفع بشاعرية تلك الطاقات، الفصحى منها، والشعبية، إلى المبادرة لإلقاء محمولاتها من الممكنات الإبداعية، والعطاء الشعري نصوصا للتلقي، وقراءات للتداول في الساحة الأدبية دون تباطؤ، لا سيما أن تلك الطاقات يمكنها أن تتجسد في تجربة إبداعية، قادرة على أن تلد مخرجات أدبية في أي وقت، حتى مع حضور قيود المعيارية النقدية التحليلية، أو الذوقية المتشددة، التي قد تكون مثبطة، وتحول بالتالي دون تفجير طاقة الإبداع المكتنزة.
ولا ريب أن المتداول من إبداعات أولئك الشعراء، على شحه، إذا ما تم التعاطي معه بمنظور أفق مفتوح، باعتبارهم جيلا جديدا من الأدباء، يسعون حثيثا إلى إثبات وجودهم، وتمرير بصمة إبداعهم بنكهة جديدة، تدفع المتلقي لتذوّق ما يمكن أن يستولده هؤلاء الشعراء من ممكنات تخييلية، وجمالية لإبداعاتهم، وذلك من خلال مؤازرتهم، وتشجيعهم لتجاوز التقييدات الجاثمة على صدر المواهب الشعرية الجديدة، وتنحيتها جانبا في بعض معاييرها، حيث سنجد أنهم طاقات إبداعية كامنة لا ينقصها إلا التفجير، لكي تتمكن من أن تأخذ طريقها في التوقد، خاصة أن بعضهم قد يتجرأ على تجريب عطائه إبداعيا خارج كل السياقات المطروقة سابقا، والبحث عن أقانيم تخييلية عميقة، تفتح شهيته في اللغة، وتدفعه لتوظيف مفرداتها ببلاغة جمالية لم تعهدها الشعرية المألوفة في بيئته من قبل.
وفي سياق محاولة التحرر من كثير من قيود التهيب، ولتجاوز إخفاقات البدايات، فإن على الشاعر نفسه ابتداء، أن يثق بقدراته ثقة تامة عند مواجهة جمهوره، نقادا، ومتلقين، وبيئة، وذلك من خلال الحرص على حضوره المجالسي، بديلا عن المنصات، والمنابرية الإعلامية، التي تتطلب شهرة متراكمة، ما دام هاجس الشاعر هو الحرص على تقديم نتاجه للمتلقين عفويا، ومن دون مساحيق تجميل، أو محسنات زائفة، غير آبه لمتلق متيبس التذوق، ولا متهيب من ناقد مثبط، اعتاد الإصرار على أن يرى الشعر بالمعايير المعروفة عنده، هو ما أبدعه الجيل الأول من السابقين ليس إلا.