هتون محمد الأسمري



يعيش الإنسان المعاصر في عالم اليوم في بيئة مشبعة بالمواد الإعلامية، تتميز بالتعدد الهائل، والتنوع الكبير، في وسائل الإعلام المختلفة.

واتسعت دائرة الإعلام في هذا العصر، وأصبحت تشمل أنواعا عدة ومختلفة من وسائل الإعلام.

إن كلمة إعلام -قاموسيّا- هي فعل الإخبار، لكن تعريفه العلمي تطور عبر عدة مراحل. ومفهوم الإعلام لم يستقر على مفهوم واحد، فمثلا بدأ بالمفهوم الذي قدمه الباحث فولي «بأنه تبادل للمعلومات والأفكار والآراء بين الأفراد»، لكنه حصر مفهوم الإعلام في عملية تبادل المعلومات وأهمل الوسيلة.

وكذا الباحث فرانسيس بال، عرفّ الإعلام بأنه تبادل للمعلومات بين الأفراد، وأضاف إليه عامل الوسيلة والتجهيزات التي تجعل هذا التبادل ممكنا، لكنه لم يحدد طبيعة هذه الوسائل وتركها عامة، إذ أصبحت هذه الوسائل التي تدخل في الإعلام معنية بهذا التعريف غير الدقيق، مما جعل المدرسة الأنجلوساكسونية تتدخل لتصحيح التعريف السابق، إذ تقول إن هذه الوسائل التي أشار إليها فرانسيس بال هي وسائل الاتصال الجماهيري، وبذلك فإن وسائل الإعلام هي وسائل الاتصال على النطاق الجماهيري.

وعلى الرغم من كل هذه التعاريف، يبقى المفهوم غامضا غير دقيق، لذا نجد الباحث المصري إبراهيم إمام، قدّم مفهوما دقيقا للإعلام، من خلال ما يلي:

الإعلام، هو النقل الموضوعي للمعلومات من مرسل إلى مستقبل بحثا عن التأثير الواعي على عقل الفرد، حتى تتيح له إمكان تكوين رأي على أساس الحقائق المقدمة.

بمعنى، الإعلام دائما ينقل الحقائق وهذا خدمة لصاحبها، وهذا في إطار التفاهم بين المرسل والمستقبل، وبالتالي فالإعلام يختلف عن الإشهار، لأن الإشهار هو أيضا نقل المعلومات في اتجاه واحد، لكن بغرض يختلف عن الإعلام، فالإشهار معلوماته عبارة عن سلع وخدمات، ولكن بقصد الترويج لها ودفع طرف المستقبل إلى الإقبال عليها، أي حث المستهلك إلى تقبل هذه السلعة من خلال توظيف العوامل النفسية والاجتماعية، كغريزتي الأكل والجنس، وبذلك فإن الإعلان لا يخاطب فقط عقل الفرد مثل الإعلام، بل أيضا يثير غرائزه بأسلوب مبالغ فيه، ولكن دائما بدرجة لا نصل إلى التزييف، لأن القانون يعاقب المزيف، وأيضا يفقد ثقة الحريف.

إن وسائل الإعلام في عالمنا المعاصر تتميز بقدرة عالية على التأثير القوي والفعال، لعدة أسباب منها: التنوع، والجاذبية، والتفاعلية، والوفرة، وسهولة التواصل، إضافة إلى الخصوصية وعدم الالتزام، والاختراق.

ومما تجدر الإشارة إليه، أنه لا يمكن التحكم في السلوك البشري خلال عامل واحد فقط، وإنما يحدث نتيجة عوامل متعددة. فقد يكون تغيير السلوك البشري نتيجة تغيير في الموقف والاتجاه، أو نتيجة تغيير معرفي عميق، أو نتيجة تنشئة اجتماعية طويلة الأمد، أو قد يكون السلوك ناشئا عن مؤثرات وقتية بسيطة، مثل تغيير السلوك الشرائي، والإقبال على ألوان أو نوعيات معينة من الملابس.

ومهما كانت أسباب تغيير السلوك، فإن لوسائل الإعلام دورا ما، يزيد أو ينقص، في إحداث التغيير والتأثير بشكل عام، وذلك حسب متغيرات: البيئة، والمحتوى، والوسيلة، والجمهور والتفاعل.