تحول مستشفى عسير المركزي إلى منشأة لا تستقبل الحالات الطارئة، يعني أن يتحول إلى منشأة فارغة تحكم على المريض من «وجهه» في غضون ثانيتين

دشنت صحة عسير مراكز صحية مناوبة لحمل العبء عن مستشفى عسير المركزي منذ عدة أسابيع، وبعيدا عن هذا الافتتاح الذي جاء سريعا وغير منظم والمراكز فيه كانت وما زالت غير مهيأة، وما لهذا الافتتاح الارتجالي وما عليه ، فإن طوارئ مستشفى عسير المركزي الآن تتخذ دور العامل المنهك الذي أرهقه العمل ويبحث حاليا عن النوم المستمر وربما الغيبوبة.
بمعنى آخر أصبح طاقم الطوارئ لا يريد أن يرى أحدا، وأصبحت لديه متلازمة أسميتها متلازمة «روح المركز الصحي»!.
في الواقع أن هذا المريض الذي تفوح في وجهه انبعاثات هذه المتلازمة التي أصيب بها طاقم الطوارئ هناك، يكون أحد صنفين: إما مريض حالته بسيطة نسميها طبيا «حالة باردة» Cold Case، وهذا لا جدال في صحة ذهابه إلى المركز الصحي، ولكن إلى المركز الأقرب من سكنه وليس مركز «المنهل» تحديدا من بين المراكز المناوبة، ولا نعلم لماذا، والصنف الآخر أن تكون حالة لا يمكن علاجها إلا في المستشفى، ومع ذلك يأتي طبيب الطوارئ «الطفشان» ويوجه المريض بأن يذهب إلى المركز الصحي ليعود إليه مرة أخرى بورقة «تحويل» من ذلك المركز الصحي في «مشهد بيروقراطي مقيت» يضرب بصحة المريض عرض الحائط، وربما كان هدف هذا الطبيب من وراء ذلك ترجيح احتمالية أن يذهب المريض، ولا يعد لئلا يزداد «طفش» هذا الطبيب الكادح!.
وإليك -عزيزي القارئ- صورا من هذا البلاء، فمنها أن يجيء إلى المركز الصحي مريض يمشى على «العكاز» لأن إحدى ساقيه بها كسر عولج وما زال تحت الجبيرة، ولسبب أو آخر احتاج تغييرها «الجبيرة»، فتوجه هذا «المكسور» إلى طوارئ المستشفى لاستبدالها بعد أن تعفنت بدخول الماء إليها مثلا، فيرفض قسم الطوارئ استقباله، ويطلب منه الذهاب للمركز الصحي لإحضار «ورقة» تحويل متبقرطة تجعل المكسور مكسورا!
وآخر يتوجه للطوارئ بألم صدر Chest pain، وبدون أدنى سؤال طبي كالتاريخ العائلي أو مرض مزمن أو إصابة سابقة بجلطة... إلخ، لاستثناء الذبحة الصدرية التي نعرف خطرها، يتم توجيهه للمركز الصحي الذي يظنون أنه مدينة طبية، والذي لا تتعدى حيلته القصوى مسكن ألم ومغذية (ماء وملح) و«شاش»!!
وآخر يأتي للطوارئ معانيا من مغص كلوي يصاحبه «احتباس» في البول فيوجه بالذهاب إلى المركز الصحي لإحضار تلك الورقة العجيبة «التحويل» دون عدم مراعاة للعواقب.
في هذه الحالة ربما يدخل المريض الأول إلى كسر جديد في مكان الكسر السابق، وهذا علاجه عسير وصعب إن تعالج، وربما يدخل الثاني في ذبحة صدرية تجعله يقترف حادثا مروريا يقتله ومن معه، وربما في أفضل الأحوال تميت جزءا من عضلة قلبه، مما يدخله في ضعف عضلة القلب للأبد بعد أن كان علاجه الطارئ مجرد «حبة تحت اللسان»!! أما الثالث فلربما دخل إلى عالم الفشل الكلوي، علما أن إنقاذه كان عن طريق قسطرة لا تستغرق 10 ثوانٍ Foley Catheter!
إن عملية أن يتحول مستشفى عسير المركزي إلى منشأة لا تستقبل الحالات الطارئة يعني أن يتحول إلى منشأة فارغة تحكم على المريض من «وجهه» في غضون ثانيتين دون سؤاله أدنى سؤال عن حالته المرضية، فالمريض لا يفرق بين الحالات الباردة والطارئة ليقسم لذلك الطبيب «الطفشان» أن حالته طارئة.
مشاهد محزنة أبطالها المرضى ضحايا ابتدأت قصتهم منذ ضعف الإدارات الصحية المحلية، مرورا بسوء التنسيق بين الجهات المختصة، إلى انعدامه انتهاء بمدينة طبية باتت حلما من الأحلام، فأين وزير الصحة من كل هذا التخبط؟!.