على الرغم من حماسة الجانبين التركي والخليجي لتنمية العلاقات الاقتصادية بينهما، فإننا نعرف من أبجديات الاقتصاد أن ذلك لا يكفي لبناء علاقة اقتصادية قوية، وتحتاج تركيا إلى جهد أكبر في إقناع شركائها الجدد بجدوى خططها الطموحة

أكتب هذا الأسبوع من مدينة أنقرة، العاصمة التركية، حيث لا يخفي المسؤولون الأتراك سعادتهم بالنمو السريع الذي حققته تركيا على الرغم من الأزمة المالية العالمية. وتشيد آخر الأرقام إلى أن تركيا قد حققت نمواً صحياً خلال عام 2010 بلغ نحو 5%، مقارنة بمعدلات نمو سالبة في كثير من الدول الأوروبية، وتتطلع إلى معدل نمو بين (6-7%) خلال 2011.
ومما زاد القيادة التركية ثقة تمكنها من إقناع الناخبين في الاستفتاء الذي أجري في سبتمبر الماضي بالموافقة على (26) تعديلاً دستورياً تهدف إلى تعزيز الديموقراطية التركية وإبعاد خطر التدخل العسكري الذي طالما كان شبحاً يهدد الحكم المدني في تركيا، ويُستخدم حجة لمنعها من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. ويتوقع المحللون الاقتصاديون أن تؤدي هذه التعديلات إلى مزيد من الاستقرار والتحسن في البيئة الاستثمارية، وتحسين تصنيفات الائتمان لتركيا.
ويعبر الأتراك بلا تحفظ عن سرورهم للنمو المتسارع في العلاقات بين تركيا ودول مجلس التعاون، كجزء من التوجه الاستراتيجي الجديد لتركيا لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار، دون التخلي عن شركائها التقليديين في أمريكا وأوروبا.
وللأتراك ارتباط خاص بالمملكة العربية السعودية، وعلاقة روحانية واضحة. وفي الوقت نفسه، تتزايد معدلات التجارة والاستثمار بين البلدين، وإن كانت ما زالت في مستويات متواضعة نسبياً. وتجد شركات مالية مثل البركة (دلة) والبنك الأهلي التجاري قد رسخت من تواجدها في السوق التركية، ويستعد الجانبان السعودي والتركي لعقد منتدى الاستثمار السعودي التركي في الرياض وجدة في شهر مارس القادم.
ويوفر عدد من الاتفاقيات التي أبرمتها تركيا مع دول مجلس التعاون، منفردة ومجتمعة، أساساً قوياً لعلاقات متينة في الكثير من المجالات. فبالإضافة إلى اتفاقية عامة للتعاون الاقتصادي أبرمتها دول المجلس مع تركيا، ودخلت حيز التنفيذ في يوليو 2009، دخل الحوار الاستراتيجي بينهما عامه الثالث. ويُعتبر الاقتصاد أحد أهم أعمدة هذا الحوار، وهو ما انعكس على خطة عمل طموحة أقرها الجانبان لفترة السنتين القادمتين (2011-2012)، وإن كانت لا تقتصر على الاقتصاد وحده بل تشمل التعليم والثقافة والصحة والسياحة أيضاَ.
يركز المسؤولون الأتراك على الاقتصاد، ويعتبرون نجاح تركيا في تجاوز الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالعالم خلال السنتين الماضيتين برهاناً على نجاح السياسة الاقتصادية للحكومة التركية، ويشيرون إلى أن نمو التجارة والاستثمار مع دول المجلس هو دليل آخر على نجاح تلك السياسة.
ولكن الصورة ليست كلها إيجابية على جبهة الاقتصاد، فهناك تخوف من ارتفاع معدلات التضخم خلال الفترة القادمة، خاصة في أسعار المواد الغذائية. وبالمقابل على صعيد التجارة الخارجية ثمة تخوف من تفاقم العجزالتجاري، الذي كان في المتوسط نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي خلال عام 2010، في حين يُتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات خلال 2011 إلى 6%. وأحد الأسباب هو توقعات الاقتصاديين بارتفاع سعر صرف الليرة التركية أمام اليورو والدولار، مما سيعيق نمو الصادرات. وإذا تحققت التوقعات بارتفاع سعر البترول خلال العام القادم، فإن ذلك سينعكس سلباً على الميزان التجاري. ولكن العامل الرئيس في هذه المعادلة هو تعافي الاقتصاد الأوروبي الذي ما زال السوق الرئيس لصادرات تركيا.
وبالمثل فإن حجم التجارة والاستثمار بين دول مجلس التعاون وتركيا ما زال محدوداً مقارنة بحجم الاستثمار والتجارة الكلي للجانبين. صحيح أن صادرات تركيا تضاعفت نحو عشرين مرة منذ مجيء حزب العدالة للحكم في عام 2002، ولكن ذلك لا يشكل سوى جزءٍ يسير من تجارة تركيا الخارجية، ولن تتمكن وحدها من تعويض العجز في الميزان التجاري.
لدى تركيا طموحات كبيرة لتعزيز علاقاتها مع دول الجوار وأبعد. فهي تتحدث عن استكمال سكة الحديد التي تربطها حالياً بالصين وأفغانستان وباكستان في الشرق، وأوروبا في الغرب، وتطمح إلى أن تقنع الدول العربية، خاصة دول الخليج، بمد هذه الشبكة جنوباً، لربط آسيا شرقها بغربها ثم بأوروبا، وتكون فيها تركيا واسطة العقد. وهي بذلك تهيئ لإعادة طريق الحرير على قضبان حديدية.
يتحدث المسؤولون الأتراك عن رغبتهم في أن تكون تركيا واجهة السياحة الأولى لدول مجلس التعاون، خاصة السياحة العلاجية والثقافية والتاريخية والتعليمية، وإلى أن تكون الشركات التركية في جميع المجالات الخيار الأول لدول المجلس.
على الرغم من حماسة الجانبين التركي والخليجي لتنمية العلاقات الاقتصادية بينهما، فإننا نعرف من أبجديات الاقتصاد أن ذلك لا يكفي لبناء علاقة اقتصادية قوية، وتحتاج تركيا إلى جهد أكبر في إقناع شركائها الجدد بجدوى خططها الطموحة وتلبيتها لاحتياجات الجانبين.
ولذلك فإن خطة العمل التي تحدثت عنها وتم الاتفاق عليها بين تركيا ودول المجلس قد تكون البداية الحقيقية لتحقيق التعاون بينهما، خاصة أن الجانبين يعتزمان البدء في تنفيذها خلال النصف الأول من عام 2011، في المجالات التسعة التي نصت عليها الخطة.
كما سيكون منتدى الاستثمار في مارس 2011 فرصة لاختبار قدرات القطاع الخاص في الجانبين على ترجمة هذه الطموحات إلى شراكات حقيقية.