يحيى المحيريق


عرفت الأديب الراقي طيب المعشر الأستاذ محمد بن حميد مدير نادي أبها الأدبي الأسبق رحمه الله رحمة واسعة قبل عدة عقود، كنا في بداية عقد الثمانينيات الميلادية في القرن المنصرم، وكنت شاباً يافعاً أتنفس الشعر تنفساً، كنا أنا وشقيقي سالم حديثي عهد بأبها ومكاتبها وصوالينها؛ حيث كنا قادمين من الكويت، وكنا نتردد باستمرار على طيب الاسم والذكر الأمير خالد الفيصل في أبها. وذات ليلة جمعتني الصدفة الطيبة بالأديب الشيخ محمد بن حميد في قصر السد في أبها، حيث تجاذبنا أطراف الحديث والشعر، على أثر ذلك قدم لي الدعوة لزيارته في مكتبه في أبها في مبنى النادي الأدبي لحضور حفلة تعارف سيحضرها نخبة من الشخصيات القيادية والأدبية في منطقة عسير. كان هذا اللقاء التعارفي والأدبي قبيل حفل افتتاح النادي الأدبي في أبها، حيث كان ابن حميد وزملاؤه يعدون العدة لذلك، وقد قدم لنا أنا وشقيقي سالم المحيريق محافظ بلقرن الأسبق الدعوة لحضور حفل الافتتاح السالف الإشارة إليه، وقد حضرنا حفل الافتتاح الذي أقيم وقتذاك في صالة نادي الوديعة الرياضي برعاية الأمير فيصل بن بندر أمير منطقة الرياض، عندما كان سموه الكريم نائباً لأمير عسير.
كان مما علق في وجداني عن ذلك الحفل قصيدتان الأولى للأستاذ أحمد فرح عقيلان نائب رئيس الأندية الأدبية آنذاك، رحمه الله، والقصيدة الثانية التي لن أنساها أبداً لبلاغتها كانت للدكتور عبدالهادي حرب أستاذ اللغة العربية في معهد أبها العلمي - رحمه الله رحمة واسعة، إن كان قد رحل عن دنيانا، وأسبغ الله عليه الصحة والستر إن كان لا زال حياً يرزق -.. من شوارد قصيدة الدكتور عبد الهادي التي طبعتها حافظة فكري البيتان التاليان:
يا سائلي قصيدة وأنا الذي
قد كدت من صرف الحوادث أهرم
أنا رغم سني شاعر الآلام لا تتعجبوا
فأنا كذاك مخضرم
أيضاً زارني وشقيقي في تلك الأيام الفنان الكويتي المعتزل يوسف محمد، حيث تمت إضافة فقرة له في حفل الافتتاح بعدما نقلنا خبر وجوده للقائمين عن الحفل ورغبته في المشاركة، وقد تم ذلك حيث ترنم في بداية مشاركته بعزف تقاسيم مقدمة الربيع الشهيرة للفنان فريد الأطرش، وقد نالت تلك المقدمة استحسان الحضور، بعدها شدا بأغنية وطنية من كلمات الشاعر الكويتي الكبير سليمان الهويدي رحمه الله.
ومن الأشياء التي لا أنساها للأديب محمد بن حميد أنه أقام لي ندوة مصغّرة في مكتبه حضرها بعض محبي الشعر في أبها، كان اهتمام أديب بقامة ابن حميد بشاعر نبطي مثلي مصدر فخر وارتياح لي خاصة وأنه من أساطين الفصحى، إلا أنه أخبرني أن شعري يعتبر حالة استثناء لديه، فقد كان - رحمه الله - من أشد المعجبين بقصيدة (أبو جرح) التي كانت حديثة عهد، وكانت أهم قصائدي في تلك الحقبة، ولا زالت تلك القصيدة في نظري محتفظة برونقها ودرجة حرارتها لدى سامعيها إلى اليوم.
رحم الله الأديب الشهم والإنسان الشيخ محمد بن عبدالله بن حميد وأسكنه فسيح جناته، وجعله من واردي حوض الكوثر ومن أهل عليين، آمين يا رب العالمين.