في السابع من نوفمبر 2015، نشرت على حسابي في موقع التواصل الاجتماعي Facebook صورا لشاطئ مدينة جازان الجنوبي الجميل، تشوهه النفايات وبقايا المرتادين، وصورا أخرى للمرافق الخدمية التي وفرتها الدولة لخدمة الزائرين، مثل أماكن قضاء الحاجة والمغاسل المفتوحة للسباحين، بعد دقائق من زيارتي وعائلتي للمكان، إذ وجدتها مدمرة ومتسخة بشكل يبعث على «القرف»، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، على الرغم من الجهود الكبيرة التي يبذلها «عمال النظافة» الذين يجوبون شريط الشاطئ ذهابا وإيابا لتجميع المخلفات، وهم العمال الذين استبدلناهم بثقافة الذوق والأدب والنظافة بكل أسف!.
فقررت على الفور بعد مغادرة المكان، وبلا تردد بعد تلك المشاهد المحزنة، البحث عن ترفيه آخر في مكان غير شاطئ البحر.
وقد تجاوبت البلدية بعد أيام قليلة من المنشور بعمل صيانة لتلك المرافق، إلا أن الأمر لم يدم طويلا كالعادة!  الأسبوع الماضي، قرر أحد الأصدقاء من منطقة عسير زيارة البحر مع عائلته، وحين وصلوا قضوا بعض الوقت في البحث عن مكان نظيف، لكنهم لم يفلحوا، مما اضطره وزوجته إلى القيام بجمع النفايات والمخلفات من على الشاطئ ليحصلوا على مكان نظيف، وهذه صورة صغيرة من معاناة بعض الزائرين للشواطئ والمتنزهات.
أتذكر يومها أنني اقترحت في المنشور على وزارة الشؤون البلدية وأمانة منطقة جازان، التعاقد مع شركات متخصصة لتشغيل وصيانة تلك المرافق، على أن يدفع طالب الخدمة رسوما مالية رمزية مقابل استخدامها، وأزيد اليوم في هذه المقالة اقتراح إنشاء وحدة حماية «شرطة بيئة» -كما سماها أحد الأصدقاء- تكون مهماتها حماية المرافق الخدمية، ورصد أعمال التخريب والتوسيخ، ليس في الشواطئ وحسب، بل في الحدائق والمتنزهات الساحلية والجبلية وشوارع المدن كافة، تفرض الغرامات المالية الفورية على كل من يرمي المخلفات، وتطبيق عقوبات خدمة مجتمع على المخالفين، كأن يقوم المخالف فور رصده بتنظيف 1000 متر مربع من الشاطئ أو الحدائق، أو ما تراه مناسبا في هذا الاتجاه، بما يكفل الحد من تسيب البعض.
ويعود ابتكار نظام عقوبات «الخدمة المجتمعية» إلى الستينات الميلادية التي شهدت ظهوره للمرة الأولى عبر القضاء البريطاني، إذ يتم تحويل المخالف إلى المحكمة، ويحكم عليه القاضي بالقيام بأعمال مجتمعية لعدد من الأيام، قد تمتد سنوات يحددها له بحسب حجم المخالفة ومكانها وكيفيتها وماهيتها، بدءا من تنظيف الحدائق والشواطئ وكنس الشوارع وبناء المرافق، والعمل في المكتبات العامة ومراكز الإطفاء والإيواء واللاجئين والجمعيات الخيرية، وغيرها كثير مما يمكن للقاضي إيقاعه على المخالف، وقد أثبت هذا النظام فعاليته في كل مكان تم تطبيقه حول العالم، ومن أشهر من وقعت عليه عقوبات مجتمعية، رئيس وزراء إيطاليا السابق سيلفيو بيرلسكوني، وعارضة الأزياء العالمية نعومي كامبل.
سافرت خلال سنوات عمري الخمسين الماضية في كل الاتجاهات الأربعة داخل المملكة، ووجدت هذه الصورة للمرافق العامة وتصرفات بعض المرتادين المقززة، تتكرر وتتشابه بصورة كربونية في مواقع هذه المرافق التي تنفق الدولة المليارات على إنشائها، في الوقت الذي من المفترض أن تكون ثقافة الحفاظ عليها هي الحاضر الدائم عند الجميع.
خصخصة خدمة مرافق الأماكن العامة -وهو ما يُطبق في عدد كبير جدا من الدول حول العالم- أو تطبيق نظام عقوبات الخدمة المجتمعية، سيغيران من الوضع الحالي بشكل شبه كامل، كما أعتقد، أو سيقلصان -على أقل تقدير وبنسبة كبيرة- من حالة اللامبالاة السائدة في الشارع، وسيرفع من مستوى حذر الناس وحرصهم على أفعالهم، لأن الأمر سيكون الدفع مقابل الخدمة، أو تنفيذ الخدمة المجتمعية، وصدقوني «راح يحسبوها صح».