بين «تيريزا ماي» رئيسة وزراء بريطانيا و«جاكيندا أردرن» رئيسة وزراء نيوزلندا كثير من الأمور المشتركة، جميعهن سيدات بطابع غربي، ويمثلن أحزابا سياسية يقلّ فيها ظهور النساء. المفارقة الوحيدة هي الاختلاف الشاسع بين التغطية الإعلامية لكل واحدة منهن، فعلى سبيل المثال تغطية الإعلام البريطاني لـ«تيريزا ماي» منذ توليها منصبها في 2016 اتسمت بطابع ساخر واستهزائي بشكلها، بصوتها، باختيارها للملابس، بطريقة وضعها للماكياج، بحياتها الاجتماعية الخاصة، بجسمها، وبشعرها، ولم ترد «تيريزا ماي» على أي من آلاف المقالات غير الموضوعية عنها في الإعلام البريطاني. بينما، للمفارقة، التغطية الإعلامية لرئيسة وزراء نيوزلندا فقد كانت عقلانية جدا، وتحترم خصوصيتها، ولم تتطرق لجوانب تجسيدية أو مظهرية، بل على العكس أخذ الحديث المتحور حول سياساتها وأفكارها المستقبلية معظم الاهتمام. فلماذا هذا الفارق؟ رغم أن السياق الثقافي والقانوني والسياسي البريطاني والنيوزلندي والذي عبره يمرر كل محتوى إعلامي مذكور هو سياق متشابه جدا.
المعيار الذي ينتقد به موضوع التمثيل الإعلامي لهاتين الوزيرتين هو ما إذا كان يعزز التمثيل الإعلامي لهما القوالب النمطية والأفكار الرجعية والافتراضات المبنية على النوع الجندري. بالنسبة لتيريزا ماي، فلم يكتف عدد من الإعلاميين البريطانيين بالسخرية الشكلية منها، بل هناك من وصفها بأنها غير فعالة، ضعيفة شخصية، وغير كفؤة، وعاطفية أكثر من اللازم. وفي الصحيفة ذاتها التي ليس من الضروري تسميتها بسبب تكرر ممارستها في عدد من الصحف، يشار لأن «تيريزا ماي» وحيدة في قراراتها السياسية بالبرلمان، ولا أحد يدعمها، والأمر في الواقع ليس كذلك تماما، خصوصا مع تعقيدات وتداعيات أزمة الخروج من الاتحاد الأوروبي. المثير هو أن ذات الصحف البريطانية أثنت على رئيسة وزراء نيوزلندا وتمت تغطية خبر حملها، وإنجابها بكثافة في الإعلام البريطاني، وبوصفها امرأة قوية وأم صغيرة عمريا، وبأنها أول وأصغر شخص يتقلد ذلك المنصب في نيوزلندا ولم تتعامل معها بنفس طريقة تعاملهم تجاه ثيريزا ماي. إنهم جعلوا جنس رئيسة وزراء نيوزلندا كامرأة شيئا إيجابيا ويضيف لسيرتها المهنية، بينما كان العكس عندما تعلّق الأمر بتيريزا ماي. والنقطة الأهم من وجهة نظري، وقد تكون سبب هذا الاختلاف، هو أن الصحافة النيوزلندية كانت الأكثر وعيا في تمثيل رئيسة وزرائها، فإلى جانب أنه لا يكاد يوجد خبر عنصري جندري تجاهها أو ساخر من شكلها ويفتقر للموضوعية، فقد أبدى الإعلام النيوزلندي وعيا كبيرا من ناحية انتقاده التمثيل السلبي لرئيسة وزرائهم خارجيا. قام الإعلام النيوزلندي بدور صانع الصورة الذهنية الإيجابي والمحامي عن رئيسة الوزراء.
قرأت خبرا في صحيفة «Stuff.co.nz» النيوزلندية، لفتت انتباهي كثيرا كمية الوعي الإعلامي فيه، بعنوان «ضجة عالمية لإعطاء رئيسة الوزراء جاكيندا أرديرن، طابع أنها مبتذلة». وينتقد الخبر صحفا أميركية مثل صحيفة «نيويورك تايمز» لتمثيلها الجندري والسطحي للرئيسة النيوزلندية، ويقول كاتب الخبر عملت جاكيندا أرديرن بكفاح كنائبة في البرلمان لمدة تسع سنوات، وعملت في برلمان بريطانيا إلى جانب توني بلير، قبل أن تصبح رئيسة برلمانية هنا، ومع ذلك صحيفة «نيويورك تايمز» لا تزال تركز على السراويل القصيرة التي يرتديها شريكها وشكل خواتم يديها، هذا إذا تجاهلنا الرسوم الكاريكاتيرية ضحلة المعنى عنها. من وجهة نظري الشخصية يصعب بدون دراسات مستفيضة مستمرة لسنوات وبتوظيف مناهج بحثية متعددة أن يتم التعرف بشكل مقارب للحقيقة عن سبب تمثيل «تيريزا ماي» بشكل سلبي مقارنة بـ«جاكينزاأرديرن»، ولكن يمكن القول إن أمرين مميزين يمكن استخلاصهما من هذه المقارنة بين السيدتين الناجحتين والتناقض في طرق تمثيلهما الإعلامي، وهما أولا: عندما يكون الإعلام المحلي واعيا ويحامي بشكل ذكي عن شخصيات المجتمع الاعتبارية تنتقل الصورة الإيجابية للإعلام الخارجي بشكل أو بآخر. وثانيا: الجندرية الإعلامية ضد المرأة أمر قابل للاستخدام بشكل متعمد كوسيلة ضغط على النساء الناجحات، وبالتالي الجندرية الإعلامية ليست بالضرورة آتية عن غير قصد أو قلة معرفة كما يروّج البعض.