ليست العبرة في هذا الأمر قلة الخسائر ـ ولله الحمد ـ مقارنة بما حدث العام الماضي، بل العبرة بالرعب الذي صاحب أمطارنا هذا العام، والذي لامس سكان المناطق المتضررة، وسكان كافة المناطق، والخوف من تكرار تجربة العام الماضي التي خلفت وراءها الموت والدمار والتشريد
من يعرف أمير مكة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل حفظه الله، يدرك أن من صفاته الحزم في إدارته لمنطقة مكة وقبلها منطقة عسير، وحزمه هذا واضح جلي لا حاجة للاستدلال عليه، ما زلنا نذكر قراره العاجل في حج عام 1428 الموافق 2007، وفي أول أيام توليه إمارة مكة المكرمة ورئاسة لجنة الحج المركزية، بإعفاء رئيس لجنة الكشف على مساكن الحجاج وتعميد أمين العاصمة المقدسة الدكتور أسامة بن فضل البار بتكليف رئيس جديد للجنة حتى نهاية موسم الحج ذلك العام، ويكفي أن يسأل أحدنا سائق أجرة يعمل داخل نطاق منطقة مكة المكرمة، عن الأمير خالد الفيصل، ليدرك أن حزم الأمير ينصب على نفسه قبل غيره، ومن هذا المنطلق أناشد أمير مكة بمحاسبة المتسببين بإهمالهم وتهاونهم فيما يحدث مؤخراً لمدينة جدة ومكة المكرمة.
كمواطنة أتساءل كيف يمكن للجهات المختصة أن تتباطأ في إنجاز مشروعات أرى أنها من العار أن لا تتم على أرضنا إلى اليوم، إن إنجاز قطار المشاعر تم في أقل من عام، ولو كانت النية مبيتة لدى المسؤولين التنفيذيين لإنجاز مشروع الصرف لتمكنوا من ذلك. أتساءل مجددا ألم يكن من الحكمة عندما وصلت للجهات المختصة تحذيرات من قِبل الرئاسة العامة للأرصاد التي توقعت في وقت سابق هطول أمطار ـ قد تنتج عنها سيول ـ على محافظات منطقة مكة المكرمة والمدينة المنورة وتبوك بدءا من صباح يوم الأربعاء في مكة المكرمة، والخميس في جدة، وتستمر حتى مساء هذا الأحد، أن يصدروا الأوامر بإخلاء المناطق التي قد تعترض طريق السيول؟! فليست العبرة في هذا الأمر قلة الخسائر ـ ولله الحمد ـ مقارنة بما حدث العام الماضي، بل العبرة بالرعب الذي صاحب أمطارنا هذا العام، والذي لامس سكان المناطق المتضررة من الآباء والأمهات والشباب بل والأطفال والشيوخ، وسكان كافة المناطق، والخوف من تكرار تجربة العام الماضي التي خلفت وراءها الموت والدمار والتشريد.
أعتقد أنه كان على الجهات ذات الاختصاص أخذ ذلك بعين الاعتبار، ثم ماذا عن الوضع النفسي لبناتنا وطلابنا الذين أجزم أنهم بحاجة إلى رعاية، فمن الإجحاف التهاون والتجاهل بما قد تركته سيول عام 1430- 1431 في نفوسهم، ولا أستبعد أن تعتريهم الهواجس والكوابيس جراء الخوف من تكرار التجربة.. فقد شاهدوا الصورة تتكرر والمأساة تتجدد.
إن استعداد أمانة جدة ـ التي ذكرت أنه كامل لمواجهة الأمطار والسيول ـ لا يعفيها من خطأ إبقاء السكان في منازلهم دون بث وبشكل مسبق لإرشادات أولية توضح كيفية التعامل مع الوضع قبل حدوثه بأيام، فما بث بواسطة بعض القنوات الإعلامية الوطنية أثناء الأزمة لا يحقق الغرض، خاصة أن احتمال انقطاع الكهرباء أثناء هطول الأمطار أمر وارد، ومتحقق في بعض المناطق، كما كان بإمكانها التعاون مع الرئاسة العامة لتعليم البنات، ومع وزارة التعليم العالي، وتوزيع مطويات لأهم الإرشادات التي علينا كمواطنين الالتزام بها في حال حدوث تقلبات جوية ممطرة، وتدريب المعلمين والمعلمات على إلقاء دروس ومحاضرات عامة على الطلبة والطالبات تخدم هذا التوجه.
أما عدم وجود صرف صحي في بلاد كالمملكة العربية السعودية فإنه يعد جريمة وطنية سيحاسبنا عليها التاريخ، فالنية موجودة والمال موجود، إلا أن التهاون والفساد استشرى في بعضهم، ممن نتلهف لسماع تنفيذ الأحكام عليهم عاجلا غير آجل، ففسادهم لم ينل أفراداً بل نال الوطن بأكمله، وكمواطنين ندرك أن عدم وجود صرف صحي في بعض مناطقنا يعد من أخطر المشاكل على الصحة العامة، وكذلك إلقاء مياه الصرف الصحي دون معالجة في مياه البحر أو في حفر تترتب عليه أضرار صحية يتحملها الإنسان السعودي والمقيم والكائنات البحرية.
ومن هنا أطالب بالإعلان عن مشاريع ترتبط بشكل متواز مع إتمام شبكات الصرف الصحي في منطقة مكة وفي مدينة جدة وفي غيرها، مشاريع تختص بمعالجة مياه المجاري وسيول الأمطار، لتكون صالحة للزراعة، فعملية (Recycle) الخاصة بإعادة تدوير المياه لتصبح صالحة للزراعة ولبعض المصانع عملية متبعة في معظم الدول المتقدم إن لم يكن فيها جميعا، أما عن مخلفات المصانع فلا بد من إعادة تدويرها قبل إلقائها في المصارف الصحية، كما يتطلب الأمر الإعلان وبشكل حازم عن الغرامات والعقوبات لكل مصنع لا يلتزم بمعالجة مخلفاته الصناعية، كما يمكن أن نلزم المنازل الجديدة بتوفير أجهزة تعمل على تدوير المياه التي تستخدم للتنظيف والطبخ في المنازل، وهذه الأجهزة قد تكون خاصة بكل منزل أو عامة لكل حي، والمياه الناتجة عن ذلك التدوير يستخدم في زراعة المنطقة ذاتها.
كما أن الواجب يحتم علينا أن نوجه ونستفيد من الطفرة التي نعيشها ـ بفضل الله ـ التي أنتجتها موازنة الخير والبركة، وذلك في مشاريع تعود بالخير علينا كمواطنين وعلى أولادنا وأحفادنا من بعدنا، فقد تكون الأمطار أكثر غزارة في وقتهم، هذا إذا ما تابعنا التغيرات الجوية الجذرية عالميا.
إنه من المؤسف أن يكون من بيننا عديمو ضمير يستهوون الفساد، إلا أن توجيهات المقام السامي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله أعاده الله لنا سالما معافى، والذي تعهد إثر سيول جدة عام 1430-1431، (بالتصدي للفساد ومحاربته والقضاء عليه، بالتوجيه بمحاسبة كل مسؤول تهاون في أداء عمله) تؤكد استحقاقنا لهذا الطلب، وهذا الموقف هو موقف ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز والنائب الثاني صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبدالعزيز حفظهما الله، وموقف الحكومة السعودية، ومن هنا أطالب بمحاسبة المقصرين والإعلان عن لائحة الاتهامات التي تطالهم، والعقوبات التي تصدر بحقهم ليكونوا عبرة لمن اعتبر، فجرائمهم عامة أصابتنا جميعا في مقتل.