فلسفة الهروب ليست جديدة في علم النفس، كثير من الناس يفضلون الهروب عن مواجهة مشاكلهم
في عام 2005 نشر الصحفي مناحي الشيباني تحقيقا صحفيا في صحيفة الرياض يتحدث عن موضوع هروب الفتيات من منازلهن.. خبر هروب إحدى الفتيات من أسرتها ذكرني فورا بهذا التحقيق الصحفي الذي فاز بجائزة المسابقة العربية للأعمال الإعلامية المتميزة.
يذّكر التحقيق الصحفي - رغم أنه قديم ومنشور قبل 14 سنة تقريباً - بأن وزارة الداخلية سجلت 850 حالة هروب وتغيب لفتيات سعوديات من أسرهن.
إذاً هذه المشكلة ليست جديدة لا على مجتمعنا ولا على المجتمعات الأخرى، الجديد في الأمر هو استغلال بعض الدول والمنظمات الدولية لمشكلة أسرية وتسييسها وفقا لمآربهم وأهدافهم الخاصة.
آلاف طلبات اللجوء لفتيات دولهن تعاني الحرب والفقر والحرمان معلقة على طاولة الحكومة الكندية، وهي ترفضها باستمرا، ولكن وزيرة خارجيتها لا تتردد للخروج أمام جمهور من الإعلاميين الدوليين لتعلن منح حق اللجوء لفتاة لديها مشكلة مع أسرتها من أجل استغلال القضية سياسيا.
فلسفة الهروب أيضا ليست جديدة في علم النفس، كثير من الناس يفضلون الهروب عن مواجهة مشاكلهم، يهربون من مدنهم إلى مدن أخرى، ومن عملهم إلى عمل آخر، ويهربون من مواجهة أسرهم عند تعرضهم لمشاكل قد تجعلهم يهربون من الشعور بالدونية، وقد تعرفت على طلاب مبتعثين معجبين بأسلوب الحياة في الصين، ويهربون من كل عاداتنا وتقاليدنا من أجل تقمص ثقافات أخرى مهما حاول أن يتسق معها، فإنه سيفتقد لروح الانسجام التام، ويبقى شاذا في وسط مجتمع لا يشبهه.
زميلي في الجامعة من أصول غير عربية ولا يتحدث العربية، ولد في الخبر بالسعودية، ومن ثم انتقل مع عائلته إلى الشارقة بالإمارات، وهو مقيم فيها حتى الآن يخبر الجميع بأنه إماراتي رغم أن سحنته ولهجته تشيران إلى أنه غير عربي، حاولت أن أقنعه بأن يجيب من يسأله عن جنسيته، بأن يذكر الجنسية التي يحملها رسمياً، وعن المكان الذي يعيش فيه أجداده وأعمامه، ويجب عليه أن يفخر بدولته وأصوله، لكنه يغضب مني ويقول أنت لا تعرف مدى التخلف في بلدي، لن أخبر أحداً عن أصولي، بل سأخبره بأني إماراتي البلد الذي أقيم الآن فيه.
واجه نفس المشكلة مع إدارة الجامعة بإصراره بأن يكون ممثلا لطلاب دولة الإمارات في الجامعة، وفشلت كل محاولات موظفي إدارة الطلاب الأجانب بإقناعه بأنه لا يحق له تمثيل طلاب دولة الإمارات، لأنه بكل بساطة لا يحمل جنسيتها، واقترحوا عليه أن يكون ممثلا لطلاب الدولة التي يحمل جنسيتها، ولكنه رفض بغضب أشعرني بأنه حقا يعاني من مشكلة نفسية بهروبه المستمر من الاعتراف بأصوله التي يشعر بالعار منها رغم أن أقرانه من نفس الدولة يشعرون بالفخر ويمثلونها بكل باعتزاز داخل الجامعة وخارجها، وهم متصالحون تماما مع مشاكل بلدهم، يعترفون بها، ولا يدعون المثالية، يؤمنون بأنهم يمكنهم التغيير للأفضل، يعملون بجد على بحوثهم، ويدركون أن طلبهم للعلم هو خطوة في مشوار طويل للتطوير والخروج من الفقر والتخلف الذي يعاني منه بلدهم.
لا أستطيع أن أعرف تماما أسباب هروب الفتاة التي استغلت قضيتها كندا، ولكن أجزم أنها مشكلة أسرية ونفسية يمكن معالجتها بعيداً عن الهروب من الواقع وصنع الفرصة لمتلقفيها الذين استبسلوا بكل قوتهم لاستغلالها سياسياً، والتعامل معها كلعبة في حربهم السياسية.
هروب الفتيات مهما كانت أسبابه يجب علينا تصحيح آلية القوانين للحد منه، نحن لدينا قانون قوي ولكن قد تكون هناك آلية في التطبيق تستغل كثغرة، لذلك يجب علينا العمل على تعديلها حتى نعالج المشكلة قبل تفاقمها إلى هروب.