العمل الإستراتيجي الجبّار للمملكة -المتمثل في إنشاء 3 هيئات جديدة- هو نتيجة حتمية عائدة إلى الفهم العميق والتحليل الجيد للمعطيات الاقتصادية، المحلية والإقليمية والعالمية

يحسب لـ«أبو الإدارة الحديثة» بيتر دركر، أنه هو أول من نادى بالتخطيط الإستراتيجي، إذ ربطه بـ4 عناصر مهمة:
الأول: اتخاذ قرارات مخاطرة من قيادة المنظمة لتنفيذ أعمال جديدة
الثاني: دراسة واضحة لهذه المخاطرة ولمستقبلها
الثالث: إعداد تنظيمي جيد لتنفيذ القرار وتخصيص موارده
الرابع: إجراء التصحيح المطلوب في حال اختلاف التنفيذ عن مساره نحو الهدف
وقد وضع أساتذة التخطيط الإستراتيجي الحديث، إستراتيجيات كثيرة ومتنوعة، ومن أهم تلك الإستراتيجيات الأساسية التي يجب أن ترتكز عليها كثير من منظمات اليوم في أعمالها، سواء كانت استقرارا أو توسعا أو انكماشا، هي الإستراتيجية التي تستهدف التكامل.
تقوم فلسفة هذه المدرسة التكاملية على أن يضع أصحاب القرار في أي منظمة؛ صغيرة كانت أو كبيرة أو حتى ضخمة جدا، -الدول مثلا- فكرة الدخول والسيطرة على المنتجات والأسواق «محلية أو عالمية».
وتأخذ هذه الإستراتيجية شكلين متقاربين. «التكامل العمودي: أمامي، خلفي/ والتكامل الأفقي». وسأشرح الجزئية التي تهمنا في هذا المقال، «إستراتيجية التكامل العمودي».
كما قلنا سابقاً، إن الدول تعدّ أيضا منظمات كبيرة جدا، وهي تعمل دائما وفق إستراتيجيات محددة وواضحة، ولإيضاح فكرة إستراتيجية التكامل العمودي، وذلك بربطها بأحداث واقعية وملموسة. هو ما حصل في القرارات الملكية الصادرة مؤخرا. إذ رأى أصحاب القرار في المملكة أن يتم إنشاء 3 هيئات مستقلة: هيئة للفضاء، وهيئة للمشتريات الحكومية، وهيئة للمعارض.
وفي وجهة نظري أن إستراتيجية التكامل العمودي تنطبق على الهيئتين الأولى والثانية.
تقوم فكرة التكامل الأمامي على الدخول والسيطرة على النظام الإنتاجي المتعلق بالموزعين، وهذا ما ينطبق على هيئة الفضاء، إذ تقول التقارير المتحدثة عن أسباب إنشائها، أن من أهم أهدافها أن قطاع الفضاء من المتوقع أن يشهد نمواً سيصل إلى 5% حتى عام 2040، وذلك بسبب انخفاض التكاليف التشغيلية خلال السنوات العشر الماضية. وعليه فإن المبادرة من المملكة العربية السعودية في دخول هذا القطاع لأخذ الحصة السوقية الجيدة، وأيضا للإسهام في قيادة دفته بالشكل المميز، سيضمن أرباحا تدفقية ضخمة في الأسواق العالمية المستقبلية، والفكرة هنا، أن هذه الهيئة ستتكامل أماميا مباشرة بالأسواق المتخصصة في هذا القطاع، ودون وجود وسطاء آخرين.
أما هيئة المشتريات الحكومية والمحتوى المحلي، فهي تأتي كعملية إستراتيجية للتكامل الحكومي الخلفي. إذ تقول التقارير الصحفية نفسها التي صدرت فور إنشائها، أن من أهداف الهيئة تحويل حصة كبيرة من الإنفاق البالغة 15 - 20% من الناتج المحلي عالميا على هذه المشتريات إلى داخل المملكة.
وعكس التكامل الأمامي فإن إستراتيجية التكامل الخلفي تقوم على السيطرة على المدخلات والمخرجات المتعلقة بالموردين، بحيث أن المنظمة -وهنا هي الهيئة ممثلة عن الحكومة- ستقوم بالسيطرة على هذا السوق لتنظيمه وترتيبه وتعديل التشوهات الحاصلة فيه، بما يعود بالشكل الإيجابي فيه للمصالح والجهات والوزارات الحكومية.
أخيرا، يجب أن ندرك أن كل هذا العمل الإستراتيجي الجبّار، هو نتيجة حتمية عائدة إلى الفهم العميق والتحليل الجيد للمعطيات الاقتصادية المحلية والإقليمية والعالمية.
وبالتالي، فإننا أمام مستقبل مشرق وحيوي ومختلف تماما عن الصورة الذهنية القديمة للأعمال الحكومية.