كان تعيين د. إبراهيم العساف مفاجئا لي وللكثيرين، وأعترف أن الشعور تجاه التعيين كان مختلطا لأسباب عدة، أولا شعور بالسعادة لأن الحكومة تتلمس حاجة البلد، خصوصا أن موضوع السفارات ووزارة الخارجية كتبنا عنه كثيرا، وبدون مبالغة ربما كنت من أكثر من كتب مقالات عن الحاجة لإعادة هيكلة السفارات والمراكز السعودية في الخارج، لدرجة أن الموضوع أصبح مصاحباً لمقالاتي، وجميل أن تكون أنت والحكومة على نفس الموجة في وجوب الحاجة للتغيير.
بعض الزملاء والأصدقاء كان يعلق ويقول إنك تنفخ بقربة مشقوقة، كتبت العشرات عن موضوع السفارات ولا يوجد تحرك يذكر.
الشيء بالشيء يذكر، قبل أسابيع كتبت آخر مقال قاسٍ عن السفارات، ورأى الزملاء في الجريدة عدم نشره، وربما كأنهم لديهم حاسة سادسة، يحسون أن تغييراً ما سيحدث.
عموماً، كما يقول المثل، الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية، طبعا هذا خارج الدول العربية!، ولنركز حاليا على موضوع المقال، وهو هل يستطيع د. العساف إعادة هيكلة وزارة الخارجية والسفارات التي تعد دون شك أنها لا تمثل أدنى طموح دولة بحجم ومكانة المملكة الدولية؟، وكان أداؤها متواضعا للغاية، وخصوصا ظهر عجزها وسوء تعاملها في الأزمة الأخيرة؟!، هذا هو السؤال الأهم.
 من معرفة وتعامل مستمر لما يقارب العقدين مع السفارات في الخارج، وفي كثير من الدول في عدة قارات، وجدنا مستوى متدهورا من جميع النواحي سواء الاحترافية والخلفية الدبلوماسية والتعامل مع الرعايا ومهارات الاتصال، حتى التمثيل الدبلوماسي والتعامل والردود مع الدول المضيفة.
في بعض الأوقات تمر عليك أوقات تسأل نفسك هل يعقل أن هذا دبلوماسي وهذه طريقة تفكيره؟.
طبعا تجد أناساً من تخصصات مختلفة بعيدة عن الدبلوماسية، ووجدوا واسطة ودخلوا الوزارة وليس لديهم حتى أبجديات العمل الدبلوماسي، وحتى أداء المعهد الدبلوماسي دون المأمول ومخرجاته دون المستوى، وربما تجد البعض من الدبلوماسيين يدعي أن لديه خبرة 20 سنة، ولكن عند النقاش تصل لمرحلة أن خبرته لا تتعدى سنة واحدة مكررة عشرين مرة دون إضافات
أو تطوير، رأس ماله ودع واستقبل وصادر ووارد، لكن ما هي العلاقات التي نسجها أو المفاوضات التي أدارها أو الملفات المهمة التي استلمها أو الأزمات التي تعامل معها ستجد تاريخه لا شيء يذكر!.
 بل كما ذكرت سابقا تجده لا يعرف الرد على خبر بسيط غير صحيح في صحيفة محلية في دولة من دول العالم الثالث.
ليس كل ما يعرف يقال، وهذه مقالاتي بالعشرات بالشأن الدبلوماسي، لم أذكر فيها أسماء أو حوادث معينة، لأن الهدف الإصلاح والتطوير وليس الشخصنة، مع أنه مرت علينا مئات الأمور التي حدثت للسعوديين أو أمور كان من السهولة أن تقوم بها السفارة للدفاع عن مكانة البلد ومصالحه أو مواطنيه.
أقول لك دون مبالغة معالي الوزير إن الوزارة والسفارات تحتاج إعادة هيكلة شاملة وليس مجرد تحسينات.. خلال الوقت الماضي السفارات وصلت إلى مرحلة تحتاج فيها تدخلا جراحيا حادا وليس مجرد علاجات أو مسكنات، ولو لم تعلم بذلك قيادة البلد لما أحضرت رجل دولة مثلك، ووزيرين مخضرمين لإدارة الوزارة.
وصلنا لحال أن بعض السفارات والقنصليات أصبحت أبراجا عاجية، سفيرا أو قنصلا وأداؤه ومهارته أقل من عادي، أصبح الوصول إليه أصعب من وزير أو أمير، وعندما تقيّم أداءه تجد أنه لا يعرفه أحد في البلد المضيف خارج السفارة إلا بواب السفارة!، وليته مشغول بشيء مهم، فلا هو الذي دافع عن مصالح المملكة بالشكل المطلوب، ولا هو اعتنى بالرعايا بالشكل المطلوب.
هناك عوامل في صالح نجاح الوزير العساف في مهمته وهناك عوامل ضدها، ومن عوامل نجاحه أنه رجل دولة وله خبرة في العمل الحكومي، والحق يقال إنه ثقيل وتكانة في زمن قل فيه المسؤولون الثقيلون، له خبرة في قراءة الرجال ومهاراتهم، خصوصا أن بعض السفراء فيه شوية انتفاخ يحتاج رجل دولة مثل العساف لكي يرجعه لحجمه الطبيعي، وأيضا بما أن سيدي خادم الحرمين وسمو ولي العهد كلفا د. العساف بهذه المهمة فكذلك أعطياه صلاحيات ودعماً غير محدود.
بالمقابل، هناك بعض المعوقات، منها بصراحة معالي الوزير أيام وزارة المالية لم يكن صديقا مقربا للإعلام، وهذا معروف عن وزراء المالية في دول العالم، لكن الإعلام حاليا واحد من أهم عناصر الوزارة، لأن تعريف الدبلوماسية المختصر «الاتصال الفعال» إذا كان د. العساف يستخدم أدوات مالية وأدوات الحسابات والدين في الوزارة سابقاً، فإنه الآن سيستخدم أدوات الإعلام.
الشيء الآخر أن معالي الوزير معروف عنه التمسك بالرأي، وربما المالية تحتاج هذا النوع من الإصرار، لكن الخارجية تحتاج نوعاً من المرونة، لكنها مرونة مع إجراءات شديدة وفعالة مع وضع الوزارة والسفارات حالياً.
الوزير كان يحضر اجتماعات العشرين ويعرف مكانة المملكة عالمياً وأهميتها بالاقتصاد العالمي، ونحن نحب كذلك وبشدة أن نرى أيضا مكانتها وأدواتها الدبلوماسية تصل لموقعها الطبيعي بين دول العالم بدل كثير من السفارات النائمة.
سابقا كما ذكرت كان لدينا سفراء خلدهم تاريخ المملكة لكن للأسف لا أعلم لماذا هذا التدهور في الكفاءة (مقال أين جيل هؤلاء العظماء)، وأدعو الوزير لقراءة مقالات: كيف نحاسب رجال الحكومة، ولماذا سفارتنا بالخارج غير فعالة، وطريقة اختيار المسؤول كيف تكون الخ.
 كما أحذر وبشدة من المطبلين والمتسلقين لأننا شهدنا موجة تطبيل غير طبيعية بدأت للمسؤولين الجدد، مع أن بعضهم لم يجلس بعد على كرسي المسؤول.
اعطوا المسؤول فرصة ووقتا ومن ثم قيموه، لأن بعض الزملاء الإعلاميين تعدى سرعة الضوء في التقلب والتحول من مدح مسؤول لآخر.
معالي الوزير قد نختلف معك في بعض الأمور، ولا زلنا كذلك، لكن لن يفرح أحد مثلي بنجاحك ومعي كثيرون لو شاء الله واستطعت إعادة هيكلة الوزارة والسفارات.