لقد وصلنا في الوقت المناسب، وسفينة الوحدة الحقيقية والصحيحة بين الأمة المسلمة استوت على اليابسة.
ربما يكون من غير اليسير دعوة 1300عالم ومفكر إسلامي، من 127 دولة، في مناسبة واحدة، مثل المناسبة العالمية التي خُتمت أعمالها بمكة المكرمة، ليل الخميس الماضي، وأعني بها «المؤتمر العالمي للوحدة الإسلامية.. مخاطر التصنيف والإقصاء»، ولكن النية المخلصة، والهمة القوية لمعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، عضو هيئة كبار العلماء، الشيخ الدكتور محمد العيسى، مع الرعاية الكاملة، والعناية التامة لخادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز -جزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين- استطاعت، بفضل ربي، تيسير كل شيء.
ربما لم تكن المواكبة الإعلامية لهذا الحدث الكبير، بالصورة التي يتمناها بعض الناس، وشخصيا أعيد ذلك إلى حب الأمين العام للرابطة للعمل، وترك الفرصة للنتائج لتتنفس، دون صخب أو ضجر، ومع هذا فلا يمكن لمن حضر إخفاء النجاح الباهر للمؤتمر في تعزيز الاعتصام بالاسم الجامع الذي سمانا به الله، سبحانه وتعالى، «وجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ».
المؤتمر تَوَّجَهُ حضور سماحة الوالد الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ، المفتي العام للمملكة، ورئيس هيئة كبار العلماء، ومجموعة كريمة من أصحاب الفضيلة أعضاء الهيئة، وكان الحوار مع من سنحت فرصة الحوار معه علميا وحميميا في آن واحد، كما توج المؤتمر أيضا حضور مجموعة كريمة من الدعاة والعلماء والمفتين والمفكرين وأصحاب الرأي من خارج المملكة، جمعتهم هموم واحدة، في مقدمتها «التسامي على المسميات الحزبية والطائفية الضيقة»، و«تجنب لغة التكفير والتخوين»، و«رفض الإقصاء والتحزب».
الفرنسيون لديهم حكمة مشهورة، وترجمتها «أن تصل متأخرا، خير من ألا تصل أبدا»، بعضنا يغيّر «تصل» إلى «تأتي»،
وأنا أقول لقد وصلنا في الوقت المناسب، وسفينة الوحدة الحقيقية والصحيحة بين الأمة المسلمة استوت على اليابسة، والاختلافات التي كانت وتكون، ليست خطأ، أو خروجا عن الدين، والخطأ هو «التعامل مع الاختلاف على أنه خطأ».
لا يضر الناس أبدا، أن تكون مناسكهم متنوعة، واجتهاداتهم العقدية مختلفة، ومن يسقط الإيمان عنهم بسبب ذلك مخطئ، ولا يمكن تكفير من يصلي ويصوم، ويزكي ويحج، وإلغاء الاختلافات في الاجتهادات ضرب من الخيال، وفي آخر المطاف الفصل التام، أمره رباني، عند الخالق وحده، القائل في محكم تبيانه: «لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيمٍ * وَإِن جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ * اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ».
مفاتيح ثلاثة أوصلها راعي المؤتمر، خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- عن طريق سمو مستشاره، أمير منطقة مكة المكرمة، الأمير خالد الفيصل، وسلّمها للحضور، ولغيرهم ممن يصلهم النداء: «نحن مدعوون إلى نشر الوعي، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، واستيعاب سُنة الاختلاف»، ولعل «الميثاق» الذي ستعده رابطة العالم الإسلامي، والمقرر عقده قريبا، مع «منتدى الوحدة» الذي تعزم الرابطة إنشاءه، يكونان الفرج والفرح لكل من يهمه طي مرحلة الخلافات، وبعثرة الطاقات، ومنازعة الله -عز وجل- في حكمه على خلقه.