أجدر بالمصلي بدلا من ممارسة الفضول المزعج للمصلين، أن يستكمل خشوعه وينشغل بالذكر الذي يعقب الصلاة، ويعطي المسجد والمصلين حقهم في التفرغ بقراءة الأذكار
المساجد كما هو معلوم لنا هي بيوت الله في الأرض، وأنا حينما أتطرق اليوم في مقالي هذا إلى بعض السلوكيات والتصرفات الخاطئة التي تحدث في مساجدنا وبشكل متكرر، ربما أن بعضها يحدث عن جهل أو بشكل عفوي، وربما بعضهم يتعمد ذلك الفعل؛ فإنما أهدف من ذلك إلى تشخيص وضع قائم لا يليق أن يحدث في مساجدنا التي يجب أن تلقى رعايتنا وعنايتنا، كي نعمل جميعا، وقد اتضحت لنا، إلى نشر الوعي المجتمعي عند الناس، بالقدر الذي يمكن لنا أن نسهم من خلاله في دفع أصحاب تلك السلوكيات للتخلص منها، أو على الأقل التخفيف منها، لأنها ملاحظة في كل مساجدنا تقريبا، وتبدو لبعض الناس مزعجة، وقد تفسد على بعضنا متعة الحضور للمساجد التي يجب أن يسودها الخشوع والنظافة والهدوء، فتلك التصرفات إذا لم تجد من يعمل على الحد منها ووقفها فقد تدفع البعض إلى هجران مسجد ما، ليبحث عن مسجد آخر، وهكذا، فتلك التصرفات والسلوكيات في حقيقتها تبدو سلوكيات مستهجنة وغير مقبولة، وأنا أشعر بتزايد هذه السلوكيات المنفرة في مساجدنا التي أراها تزيد خلال شهر رمضان.
من هنا دعوني أشير إلى بعض هذه التصرفات، فأبدأ من البداية:
1 - فحينما نذهب إلى مساجدنا للصلاة فإن أول تصرف مشين أو سلوك يصدمنا وهو منظر غير جيد مشوه للعين، ولا نراه إلا أمام بوابات مساجدنا؛ هو وضع «الأحذية» - أكرمكم الله - في مدخل باب المسجد، مع أنه في بعض المساجد قد خصص القائمون عليها «أدراجا» لوضع الأحذية فيها بشكل منظم، ومع هذا نجد من يأتي إلى المسجد، ولا يسره وضع حذائه إلا على فم الباب.
2 - داخل المسجد هناك من درج على عادة أن يقطع خشوع التالين والذاكرين من المصلين وهم في أثناء انتظار إقامة الصلاة، حينما يعمد إلى حض المؤذن على إقامة الصلاة، مع أن هذا الأمر منوط بالمؤذن وإمام المسجد دون سواهما، ولديهما توقيت محدد بين الأذان والإقامة إذْ يُطلب منهما أن يلتزما به دون تأخير أو استعجال عن الوقت المحدد لذلك، وهما المسؤولان عنه، وبالتالي فلا يحق لشخص ما من المصلين أن يتدخل في الأمر، ومع هذا نجد من يحاول التدخل في هذا الشأن.
3 - لأجهزة التبريد «المكيفات» في المساجد حكاية طويلة ومريرة وصراع من نوع خاص بين بعض المصلين، خاصة في شهر رمضان إذْ إنها تبدو بشكل أكبر، فبينما هناك أشخاص يريدونها أن تعمل لتبريد المسجد، تجد من يدخل إلى المسجد مباشرة، وقبل أن يشرع في أداء تحية المسجد، يقوم بقفل جهاز التكييف، مع أنه كان يمكنه اختيار مكان في الصفوف لا يصله هواء التبريد بشكل مباشر، وبالتالي يكون احترم رغبة من يريد «التكييف» ولم يسمح لنفسه كشخص واحد بالتحكم في مجموعة المصلين، والفرض عليهم بأمر لا يرغبونه، دون أن يستأذنهم على الأقل أو يأخذ شورهم في ذلك، ومثل هذا السلوك، هناك من يقوم بفتح شبابيك المسجد وقد يكون هناك من يؤذيه إما الهواء القادم من خارج المسجد، أو غبار الشارع.
4 - نلحظ أحيانا من يسارع مباشرة بعيد انتهاء الصلاة نحو مفاتيح «مصابيح المسجد» فيقوم بقفل بعضها، مع أن بعض المصلين لا يزالون بالمسجد، وقد يكون لدى بعضهم رغبة لقراءة القرآن الكريم، مع أن مهمة قفل المصابيح وتشغيلها من مسؤولية مؤذن المسجد وإمامه، أو من يقوم على خدمة المسجد، وعادة ذلك لا يتم إلا بعد خروج آخر مصل، ومع هذا فبعضهم انشغل بما ليس من شغله دون أن يستأذن أحدا من المصلين.
5 - هناك عادة غير مستحسنة، وفيها كمية من الفضول غير اللطيف، والتصرف غير المرغوب فيه، والسلوك غير المقبول من بعض الناس، فما إن ينتهي الإمام من الصلاة، ثم يسلم بعده المصلون ويفرغون من صلاتهم، حتى تشاهد من المصلين من يبدأ «بتشغيل رأسه كرادار مراقبة» فيبدأ في حركة دؤوبة لا يتوقف عنها، إلا حينما يشعر بالتعب، وهو يتلفّت يمنة ثم يسرة، ثم يحنو ظهره للإمام ليرى آخر الصف، ثم يلتفت نحو الجانب الآخر، ثم يبدأ بالالتفات للخلف ليكمل عملية «تمشيط» الصفوف، وكأنه موكول بمهمة البحث عمن صلى ومن لم يصل من أهل الحي، أو كأنه مكلف بتفحص وجوه المصلين، هذا الأسلوب المنفر مرفوض، بل يعد عادة سيئة، وكان أجدر بالمصلي الذي هذا فعله، بدلا من ممارسة الفضول المزعج للمصلين بالمسجد، أن يستكمل خشوعه وينشغل بالذكر الذي يعقب الصلاة، ويعطي المسجد والمصلين حقهم في التفرغ بقراءة الأذكار التي تلي كل صلاة في اطمئنان وهدوء دون إزعاجهم بهذا التصرف غير اللائق.
6 - أيضا من الممارسات الخاطئة في مساجدنا التي نلحظها تتكرر في كل صلاة تقريبا وفي أغلب مساجدنا، أنه عند الوقوف للاستعداد للصلاة، يقوم بعضهم بتوسيع الفرجة بين قدميه، وما إن تبدأ حركة المصلين في الركعة الأولى، حتى تبدأ الفراغات تتسع وتتسع بين المصلين، نتيجة أن بعضهم قد بالغ في فتح قدميه، ولم يكن يصطف بشكل صحيح في صلاته.
7 - أيضا من التصرفات غير الجيدة وربما نختص فيها بشكل واضح عن غيرنا بسبب ارتدائنا «للشماغ» هو انشغال بعض المصلين «بتظبيط غترته» في كل ركعة وفي كل سجدة، وفي الجلوس بينهما للتشهد، إذْ يبدأ بعضهم من البداية في صلاته بنفض شماغه مرات عدة، ثم يقوم في كل مرة يسقط طرفه بإعادته إلى مكانه في حركة مستمرة دون توقف، وقد يلطم بطرفه وجه المصلين إلى جواره دون أن يهتم لذلك، وقد يسقط «عقاله» فيقوم بإعادته، وسبحان الله أن بعض المصلين لا يحلو له المساواة بين طرفي شماغه إلا في الصلاة، فتجده يمطه من طرفيه ليساوي بينهما، أنا أقول من لم يستح من ممارسة تلك الحركة وهو بين يدي خالقه، فلا يستح أحد من المصلين من أن ينبه ويقول له كفى لقد آذيتنا.
8 - عدم إغلاق «الهواتف المحمولة» مما يجعلها من القضايا المزعجة، خاصة حينما تكون النغمة المختارة لبعضهم «أغاني وشيلات» ثم تنطلق بأصوات مرتفعة لتقطع على المصلين خشوعهم في صلاتهم.
9 - المبالغة في رفع أصوات «مكبرات» المساجد أثناء الصلاة إلى حد أنها تفسد على المصلين متعة الاستماع لقراءة الإمام، وقد يصل صوت بعض أئمة المساجد إلى المساجد المجاورة فيحدث خلطا وتشويشا نتيجة مبالغة بعض أئمة المساجد في رفع المكبرات، إلى حد يفوق الحاجة لذلك، سواء كانت المكبرات موجّهة لداخل المسجد أو لخارجه، خاصة وأن بعض أئمة المساجد لديهم «افتنان» ورغبة في تركيب «الصدى» في المكبرات، وكثير من علمائنا لا يحبذون هذه الميزة المسماة «صدى الصوت» لما قد يطرأ على تلاوة الإمام من تكرار للحروف، أو زيادة التطويل في المدود، وأنا أعرف «مسجد جمعة» كل شيء فيه جميل إلا أن جيرانه والمصلين يذهبون إلى المساجد المجاورة نتيجة الإزعاج الحاد الذي يحدثه «الصدى» فلا يستمتعون بخطبة الجمعة ولا بالقراءة نتيجة المبالغة في رفع الصوت، إضافة للصدى.
10 - رفع بعض المصلين أصواتهم وهم في صلاتهم خلف الإمام أمر مكروه، لما في ذلك من تشويش على بعضهم بعضا، فبعض المصلين تسمع صوته وهو يقرأ الفاتحة، وهو يردد في ركوعه وسجوده الأذكار، مما يفسد خشوع المصلين إلى جواره، وقد ورد في الأثر «إن المصلِّي يناجي ربه، فلينظر بم يناجيه، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن». أرجو أن يكون فيما كتبت الفائدة المرجوة، لتعم الفائدة على الجميع.