في 2040، سيوقظك منبهك في وقتك الاعتيادي بدون أن تعيد ضبطه، وسيقرأ لك هاتفك عناوين الأخبار من النوع الذي تفضّل في وقت الصباح، أنت تفضّل صباحا أن تسمع أخبارا عن كرة الرقبي الإنجليزية، وهذا ما الذي ستسمعه. هذا المنبه يعرف أنك تريد أن تستيقظ في هذه الساعة بالتحديد، وهذا الهاتف أصبح يعرف ذائقتك الخبرية، ثم تنهض لدورة المياه، وهناك ستنظر للمرآة الذكية التي ستعرض لك اختيارات متعددة من المنتجات التي تود استخدامها في مثل هذه الحالة المزاجية، هذه المرآة استنتجت أنك اليوم تبدو راغبا بصباغة ما ظهر من شيبات في لحيتك، ولذلك ستكرر عليك عرض منتجات صبغ مناسبة وبحدود ميزانيتك المالية. بعد فنجان القهوة الأول، عندما تتصفح «تويترك» أو أي موقع حل محله آن ذاك، ستبدأ بقراءة عناوين أخبار جادة عن الاقتصاد وأسعار النفط والعملات لأنه بالنسبة لشخصيتك، هذا هو الوقت الذي تحب فيه قراءة أمور كهذه. وعندما يحل المساء ستبدأ إعلانات مطعم مجاور لك بالتكرار في الظهور في صفحة هاتفك تخبرك عن عروض وأطباق جديدة في المنيو، وستذهب لهذا المطعم، لأنك تحب «الباستا بالبروكلي»، وهذا الإعلان تضمن صور «الباستا بالبروكلي»، وهو مصمم من أجل شخص مثلك تماما، نباتي ويحب تناول الباستا بالبروكلي للعشاء.
كل ذلك محتمل ووارد بسبب البيانات الضخمة «الخوارزمية أو الغوريثم»، والموجهة التي بدأت مؤخرا الشركات التقنية بتبنيها وتطويرها، وهذا السيناريو أعلاه لا يبدو خطيرا إلا إذا نظرت له من ناحية أنها تقلل فرصة إطلاع الفرد على أمور خارج دائرة اهتماماته إعلاميا. يشير معهد رويترز للدراسات الإعلامية ومكتب الاتصال الحكومي البريطاني في الوقت نفسه من عام 2017، إلى الحاجة الملحّة إلى فهم ديناميكيات نماذج التوزيع الإخبارية لقائمة على البيانات، لأن هناك شعورا عاما بعدم الارتياح إزاء القوة المتنامية للمنصات على المستخدمين. يشار إلى أن هناك غموضا يحيط بعدد من مواقع التواصل الاجتماعي إداريا، كما أن خوارزمياتها وآليات تعاملها مع معلومات المستخدمين سرية وخفية، مما يصعّب المهمة على المنظمين الحكوميين والمحللين المختصين حول العالم فيما يتعلق بهذه القضية. لا يمكن تحديد التصرف القانوني الملائم لاستخدامات «فيسبوك» و«جوجل» بمعلومات المستخدمين دون الاطلاع بشكل كامل على ملفات هاتين الشركتين وطرق توصلها لتلك المعلومات وكيفية تعاملهما مع المسوقين اللذين يستفيدون من المعلومات ربحيا على سبيل المثال لا الحصر. الأمر الوحيد المتفق عليه من قبل الحكومات والمحللين المهتمين بهذا الشأن هو أن هيمنة الشركات الرقمية تأتي من قدرتها على التحكم بالطرق التي يتفاعل بها الناس مع المعلومات، وبالتالي القدرة على التأثير على خياراتهم من خلال معرفة اهتماماتهم وتحيزاتهم. يقال إن «نيتفلكس» يعرف عرقك إن كنت أبيض أو أسود أو قمحيا، ولذلك سيعرض «نيتفلكس» صورة الممثل الذي من نفس عرقنا القمحي في صورة الفيلم المقترح على «أحمد» في الدمام أن يشاهده، بينما «جيمس» في مانشستر سيظهر له نفس الفيلم بغلاف يحتوي على صورة الممثل الأبيض فيه، بينما «عائشة» في مقديشو سترى في غلاف الفيلم ذاته على نيتفلكس صورة امرأة سوداء لها دور معين في الفيلم. وهكذا يصنع نيتفلكس لكل فيلم عدة صور غلاف، لكل غلاف شخص من عرق محدد يُستهدف من خلالها الأشخاص عرقيا. لا تتوقع أن أي إعلان أو دعاية تظهر لك في «يوتيوب» قبل مشاهدة مقطع ما هو مختار عشوائيا، غالبا يكون مرتبطا بك بشكل أو بآخر.
ما الذي يمكن القيام به حاليا إزاء هذه القوة المعلوماتية المتزايدة لمواقع التواصل الاجتماعي والتي ستؤثر على سوق الدعاية والإعلان عالميا، والأهم أنها قد تؤثر أيضا على الأفراد في مستوى حيواتهم اليومية من حيث أنها تقلل فرصة تعرضهم لمحتويات جديدة عليهم، توسع أفقهم وتختلف عن معارفهم السابقة؟ الأمر الأوحد الذي يمكن القيام به حاليا هو الترويج للتنويع المعلوماتي وتشجيعه والعمل بشكل مؤسساتي على محو الأمية الإعلامية بهدف تحقيق التنويع. ثم بعد ذلك، البدء بفرض تشريعات الرقابة على استخدامات معلومات المستخدمين الشخصية بشكل مستمر، ومواكب لضمان علاقة متوازنة إلى حد ما بين الشركات التقنية والمسوقين في جهة والمستخدمين في جهة أخرى.