خلال الأسبوع الماضي لفت انتباهي عدد من التعليقات التي أبداها البعض ممن التقيتهم هنا في واشنطن، خصوصا في هذا الفترة التي تتجهز فيه أميركا لحقبة سياسية جديدة مع إعادة التركيبة التشريعية في البلاد بشكل يختلف عما كان عليه خلال العامين الماضيين. من المفاجآت التي أعترف أني لم أكن أتوقعها هو رد فعل كثيرين حيال توقعاتهم عمن سيكون الرئيس القادم لأميركا بعد انتخابات 2020، فقد سألت عددا من الأميركيين من سكان واشنطن وضواحيها، وهي مناطق ديمقراطية، بالعموم عن توقعاتهم حول من سيفوز بالرئاسة القادمة، وقد كانت الإجابة غير المتوقعة هي أن الرئيس ترمب سيعاد انتخابه دون أدنى شك، وعندما وجهت لهم السؤال عن السبب الذي دفعهم لهذا القناعة التي تتناقض مع آمالهم وتوجهاتهم الحزبية كانت الإجابة بشكل مباشر إلى أن السبب لا يعود لكون الرئيس ترمب يستحق الفوز أو لأنه أثبت أنه رئيس جيد ومناسب للبلاد، بل لأن الحزب الديمقراطي ليس لديه حتى الآن مرشح أو مرشحة بمقدورهم جذب التأييد الشعبي خلفهم، وكسب ثقة الناخب للتصويت له، أي أن فوز ترمب ليس بسبب قوته، بل بسبب ضعف خصومه.
كسعودي مقيم في أميركا ومهتم بمتابعة الشأن السياسي المحلي والدولي، وبحكم الأجواء السياسية التي تحيط بمنطقتنا العربية فإن الشأن الإيراني يبقى أحد المواضيع التي لها أهمية قصوى لاعتبارات ربما أهمها هي محاول فهم الكيفية التي يعمل بها هذا النظام في المدينة التي تصنع القرار العالمي، والذي تبين أن المال السياسي ليس وحده الوسيلة لكسب المؤيدين من سياسيين وإعلاميين، بل هناك أنماط أخرى من التأثير كتبت عنها في مقالات سابقة وقد أتوسع حولها في مقالات قادمة، إلا أن الشهادة الدقيقة التي يهمني الاطلاع عليها حول حقيقة النظام الذي يحكم إيران لا يمكن اكتشافها إلا من خلال الإيرانيين أنفسهم ممن هرب من بطش ثورتهم الشؤم، فقد وصفت لي سيدة إيرانية قصة قدومها لأميركا بعد اندلاع ثورة الخميني عام 1979، وكيف قام هذا النظام الذي يدعي الدين على قتل والدها، لا لكونه حمل السلاح أو خان الوطن أو تمرد على منهج الولي الفقيه، بل لأنهم ولدوا وورثوا عن أجدادهم حقيقة أنهم «بهائيون»، فقاموا إضافة لقتل والدها كما قالت «بتشريد أرواح ما بقي من أسرتي لأنهم جعلوا الوطن حكرا لهم وحدهم، أعلنوا زوراً أنهم وحدويون بينما أرواحهم فطرت على تشتيت كل الأمم المحيطة من أجل لمّ فتاتها تحت راية طائفيتهم المقيتة»، ومن جهة أخرى روى لي أحد الإيرانيين الأحواز، وهو شيعي الطائفة، كيف كان السجن بالنسبة له مزارا دائما، فلا يكاد ينعم بالتقاط أنفاسه بنسمات بلاده وهواء الحرية حتى يعود للأغلال حتى نصره القدر بالهجرة، ليعلن أنه سيعود في يوم ليحرر بلاده من بطش نظام بائس، لم يسجن إلا لأنه طالب بحق الحياة الكريمة كمواطن إيراني من أصل أحوازي.
في كل حواراتي ولقاءاتي مع المحللين في مراكز الأبحاث أو الصحفيين في نادي الصحافة أو على هامش فعالية أثبت أكثر فأكثر من أنه لن أجد مكانا أكثر دقة وصدقا في تطبيق مقولة «لا صداقات دائمة في السياسة» من أروقة القرار في أميركا، فالمصالح الوقتية هي التي تحكم العلاقات، والتحالفات بطبيعتها هنا تبنى من أجل تحقيق المصالح، والمبادئ الإنسانية وغيرها ركيزة يمكن التغاضي عنها إن كان الثمن يستحق ذلك، وإن كانت ستساعد في تحقيق مصلحة ما، النفعية هي العنوان العريض، أما الأخلاق والمبادئ فعناوين للاستهلاك لا أكثر، كل شيء في السياسة الأميركية له ثمن، لذلك ستجد أن العداوات مؤقتة وكذلك الصداقات.
في حديث مؤخرا مع أحد الإخوة حول الرئيس ترمب وعلاقته بالشرق الأوسط وقضاياه، لفت انتباهي تعبير قد يكون منطلقا من قناعة أو ربما تعميم ومبالغة في التعبير، حيث قال إن ترمب «يحبنا» لأنه يدافع عن قضايانا ويعمل معنا لجعل المنطقة العربية أكثر أمنا عبر دعم عمليات طمس وتحطيم المشروع الصفوي وأذنابه في المنطقة، كلامه هذا أخذني لمنطقة أخرى تماما، فصفَوْت للحظات أفكر في علاقة الحب بالكراهية في هذه الحياة والعكس، ليعود عقلي إليّ ليقول متفلسفا إن بين الحب والكراهية مسافات وتناقضات قد تكون أقرب مما نتصور، وقد تكون بينهما عوالم وأكوان، وتنبهت بعد أن ودعت هذا الأخ الفاضل إلى أنه كما أن في السياسة «لا صداقات دائمة فيها» فإن «الكراهية تسببت في العديد من المشاكل في هذا العالم، ولكنها لم تستطع حل أي واحدة منها».