فازت الأميركية من أصول فلسطينية، «رشيدة طليب»، بانتخابات مجلس النواب عن ولاية ميشيغان، لتصبح أول مسلمة تدخل مجلس النواب الأميركي، وكذلك فازت الأميركية من أصل صومالي، «إلهان عمر»، بانتخابات الكونجرس عن ولاية مينيسوتا، لتصبح ثاني مسلمة تدخل مجلس النواب.
في الحقيقة انتخاب امرأتين من أصول مسلمة لأول مرة في مجلس الكونجرس الأميركي، لم يكن خيالا في أذهان قادة أقوى دولة في العالم، فقد وصل قبلها إلى سدة الحكم رجل أسود «باراك حسين أوباما»، بل أكثر من ذلك، فالقارئ لتاريخ الولايات المتحدة، منذ تأسيسها، يمكن له أن يلحظ إلى أي حد مثل الدين أساسا أقيم عليه النظام الأميركي، فالديانات التي كانت غالبة لدى قادة أميركا ومجالس نوابها هي العقيدة البروتستانتية، ومع ذلك نجد أنه نجح أول كاثوليكي يشغل منصب الرئيس وهو «جون إف كينيدي»، وهذا ينطبق على معتنقي ديانة المورمون، الذين تم ترشيح أحدهم، وهو «ميت رومني»، ممثلا عن الحزب الجمهوري.
بمعنى آخر، أميركا اليوم أصبحت لا تولي اهتماما كبيرا بالديانات، فالانتخابات الرئاسية وانتخابات التجديد البرلماني جاء منها كل الأقليات والمضطهدين تاريخيا.
السؤال: كيف تولدت لديهم هذه القدرة الفائقة على استيعاب مكونات جديدة تتولى القيادة في مواقع مفصلية في الهرم السياسي الأميركي، خاصة أن العنصرية في أميركا كانت مقننة في الثمانينات، أي كانت عنصرية بحكم القانون الأميركي، فالقاضي في ولاية فرجينيا كان يحرم زواج الأسود بالأبيض؟ كيف استطاع هذا الشعب أن يكون بهذه المرونة العالية؟ علما أن هناك كثيرا من المحافظين في أميركا يرفضون مثل هذه التغيرات، فالعادات والتقاليد عندهم لها الأولوية العظمى، وبالتالي لا يريدون الدخلاء على الدين، ويقرون بأهمية الحفاظ على العنصر النقي والأصل الطيب في نظرهم.
في الحقيقة فوز المسلمتين في الكونجرس الأميركي ليس لشخوصهم، وإنما هي جزء من رحلة طويلة بدأت ملامحها مع خطاب «مارتن لوثركنج» عندما قال «لدي حلم» وخطاب «الأرض الموعودة»، حيث اشتغلت كل الأجهزة والمنظمات من جامعات ومؤسسات مجتمع مدني ومدارس ومؤسسات إعلامية للعمل على تكريس مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة والعدالة.
أما السؤال الخاطئ الذي نطرحه دائما نحن العرب والمسلمين: ما الذي ننتظره بعد تعيين الامرأتين المسلمتين في الكونجرس؟.
الجواب: لا شيء، فأميركا هي دولة تبحث عن مصالحها الخاصة، هي ليست منظمات خيرية أو منظمات حقوقية دولية، هي دولة ترتكز سياساتها على أجندات داخلية بحتة، تأخذ باعتبارها التطور والرفاه والعدالة، وتكافؤ الفرص، والصالح العام لشعوبها بوصلة لسياساتها.
وعلى هذا الأساس السياسات الخارجية لأميركا هي امتداد ودعم لسياساتها الداخلية، بشكل أو بآخر، فسياساتها تصبح فاعلة في المجال الدولي عندما يؤثر على مؤشر نموها الداخلي، سواء بالسلب أو الإيجاب، فما زال جوانتنامو وصمة عار، وما زالت فلسطين مغتصبة، ولكن انتخاب المسلمتين يمثل الفكرة الرمزية في أكبر وأقوى دولة في العالم نجحت في تفكيك العنصرية والتمييز في الداخل الأميركي.