مع توالي الأيام، ومع كثرة الشواهد والحكايات التعليمية لكل أيام متقاربة، ومع تعدد البيانات والخطابات الإعلامية في المنظومة التعليمية، وحديث قادة العمل في تلك المنظومة، مع كل ذلك تزداد تداعيات الأفكار عن ملاحظات في المؤسسة القيادية التعليمية رسوخا وتأكيدا.
فالعرب تقول في حكمها المأثورة «إن البعرة تدل على البعير، والأثر يدل على المسير»، ولا شك أن الأثر يدل في كل مرة على إشكالات في المسار الذي اختار المضي فيه العمل التعليمي في بلادنا!
هذا «الأثر» يمكن استنتاج ملامحه بجلاء خلال النقاط المشعة الآتية:

(2)
كنت قد تحدثت في نثار سابق عن إشكالات الخطط التعليمية، والذي ينتج بسبب تداخل البرامج والمشاريع التعليمية أو«توقفها فجأة واستحداث بدائل لا تختلف كثيرا عن سابقاتها»، وكنت حينها أدلل عليها خلال برامج ومشاريع ثلاثة، وإذ بوزير التعليم الدكتور العيسى يضيف سبعة أخرى في لقائه الأخير على قناة روتانا الخليجية، قبل أقل من أسبوعين.
الحقيقة أني كنت مندهشا وأنا أسمع ما يؤكد تلك الذهنية العامة لقادة التعليم في بلادنا.
عشرة مشاريع و«برامج» تسير جنبا إلى جنب. لا تختلف عن بعضها كثيرا. يمكن إدراجها في مشروع واحد كلّي ببرامج جزئية متسقة، ولكن!
إليكم بعض هذه البرامج «مع ذكر أهدافها» لتتأكدوا بأنفسكم من ذلك، ولتعرفوا كمية الضبابية في أجندة عمل قادة التعليم، والتي لن تكون كثرتها وتداخلاتها وتعدد إستراتيجياتها على هذا النحو إلا بمثابة الشعارات البراقة المؤدية إلى أحلام طوباوية بلا واقع، ولا تنظيرات تفتقد تطبيقاتها المشروعة والمنتجة والفاعلة. إليكم: البرنامج الإشرافي على مركز الحوار الوطني «الذي سبق الإعلان عنه قبل شهر واحد فقط»، برنامج الورش الفنية «ماهر» والذي بدأ مؤخرا في 60 مدرسة «فقط»، لتعزيز توجهات طلاب الثانوية نحو المهارات الفنية العملية -مشروع الملك عبدالله لتطوير التعليم- والذي سبق أن بدأ منذ 8 سنوات بميزانية 80 مليارا، والذي هدف إلى تطوير المناهج وتقنياتها وبيئات التعلم لخدمة الطلاب وكشف مواهبهم، والمعلمين وتطوير أدائهم «هذا البرنامج، سبق لمديره العام د. السمحة أن قال: إن عام 2017 لن ينتهي إلا وهذا البرنامج الضخم يشمل 98/ 100 من مدارس المملكة، ولكن الحقيقة تفصح أن النسبة لم تتجاوز 15/ 100 في الوقت الذي سبق تحديده برنامج «مكن»، والذي أطلق قبل 5 سنوات، هادفا إلى تمكين بيئات التعلم من تحقيق أهدافها الخاصة ببناء شخصية الطالب في أبعادها المختلفة - برنامج «كفايات»، والذي يرمي إلى تغيير فلسفة التعليم بحيث تتحول العملية التعليمية لقياس قدرة الطالب المهارية على استثمار مواد التعلم، وليس على ما يحفظه من معلومات»وقد استعانت الوزارة بخبراء القارة الأسترالية لهذا البرنامج«- برنامج «مهارات التفكير الناقد» والذي تزمع الوزارة إطلاقه بعد شهرين فقط، ليمتلك المتعلم حلولا للمشكلات التي تصادفه - مشروع «بوابة المستقبل» والذي بدأ العام الماضي للتحول الرقمي واستثمار معطيات التقنية لخدمة أهداف التعلم - برنامج «تنمية القدرات البشرية» لمواكبة الغايات السامية لرؤية الحكومة 2030 - مشروع تطوير التعليم المبكر - مشروع تطوير المناهج»وقد بدأ هذا العام الدراسي كخطوة أولى لاستكمال بقية حلقات المشروع«- مشروع إنشاء الجامعات التطبيقية....]].

(3)
هل عرفتم الآن سبب ضعف مخرجات هذه المؤسسة الكبرى على أرض الواقع؟ سبب انعدام أثر المدارس في وعي وثقافة وسلوك أبنائنا؟
لا شك أنكم لاحظتم هذه الخارطة المفعمة بالتقاطعات العشوائية التي تعرقل»سير«المركبة التعليمية، ثم تجعلها تدور في حلقة مفرغة إلى ما لا نهاية!
ولا شك أنكم رأيتم تكرار الأهداف وتطابقها في البرامج الكثيرة المتنوعة؟
ألم يكن من الأولى التعامل مع عناصر المنظومة التعليمية كبنية واحدة، تتجه نحوها جميع معاول الإصلاح أو التطوير؟. المسألة تحتاج إلى»تركيز«فقط، وذهنية منظمة، تدرك أن مشروع»كفايات«، ثم برنامج»التفكير الناقد«هو ذاته برنامج»مكن«، ومن قبله مشروع»تطوير«فيما يتعلق مثلا بعنصر المتعلم/ الطالب، ألم يأت»تطوير«للرفع من مستوى الطالب واستنطاق قدراته الذهنية؟ وأليس الهدف الرئيس في»مكن«بناء شخصية الطالب في أبعادها المختلفة؟»هل ثمة فرق؟!«، وهل هناك غاية أساسية لـ»كفايات«غير التأكيد على قدرة الطالب على الفهم والاستيعاب واستثمار ما يصله من معلومات لتحقيق مهارات منتجة؟ أليس هذا هو ما يقصد إليه برنامج»التفكير الناقد«تماما؟.
هل يمكن أن يكون التفكير ناقدا من غير قدرات ذهنية عالية على استيعاب المقروء من معلومات، واستثمارها الاستثمار الأمثل بعد عرضها على عقلية فاحصة ناقدة، تستنطق ما وراء النصوص وتداعياتها المعرفية المتنوعة؟!
أم أن المسألة»كلام كبير«فقط.

(4)
وليس ثمة إجابات مقنعة و»منطقية«في ذهنية قادة الوزارة التعلمية على ما يتم إقراره من تنظيمات و»تعاميم«مبهمة!
فمعالي الوزير يقول في صدد توضيحه عن جدوى دوام المعلمين دون»طلاب«: إن المعلم لا يجب أن يكون عمله مقصورا على الحصة الدراسية، وإنما يجب أن يعقد المعلمون اجتماعات لتطوير العملية التعليمية، والاستفادة من حصتي النشاط!
أليس في جدول كثير من المعلمين نصاب كامل من الحصص»بمعدل 5 حصص يوميا«، يدرّسون فيها أكثر من ثمانية فصول تضم أكثر من ثلاثمئة طالب ومراحل دراسية متنوعة، على المعلم أن يوزع لكل منهم»50«درجة على 5 مهارات وأعمال؟! ولا شك أن تلك المهمة التعليمية الضخمة تتجاوز حتى القدرات الذهنية والجسدية لأي»إنسان«!، و»برضه«هي لا تكفي لقناعة قادة الوزارة بعمل المعلمين!
ثم، هل الوزارة تنتظر حقا ما يتمخض عنه ذلك الاجتماع للمعلمين؟! ألم تتكفل هي بكل الأمور، في غياب تام لصوت المعلم، الذي لا يهم مؤسسته الكبرى أن تطلعه على الأقل بأهدافها التعليمية في كل مرحلة، ومع كل»خطاب«!
وفي سياق آخر، يبين أن عودة الإداريين قبل موعد الدراسة بشهر كامل من أجل صياغة الجداول المدرسية و»توزيع«الطلاب!
»يا ساتر«! أليس هذا يتم في مدارسنا منذ عقود من الزمن بسلاسة ورتابة، قبل الدراسة بأيام محدودة، دون الحاجة إلى إقرار شهر كامل لإنفاذها؟!

(5)
تعليمنا.. يا سادة يحتاج إلى تفاعل خصب ومثمر مع الواقعن مع المعلمين، مع مدارسنا»الحقيقية»!