فتاة أودعها ذووها في مستشفى الأمل، واستمرت فيه مدة سنتين ونصف السنة، رغم سلامتها الصحية، ثم ولرغبة من المستشفى في إخلاء مسؤوليته عن احتجازها، تم تسليمها من المستشفى إلى قسم الشرطة، لماذا؟ لأن ذويها أو بالأصح «ولي أمرها» رفض استلامها.
هنا الأمر المحير الأول والثاني:
الأول: كيف يستمر حجز فتاة بالغة راشدة مدة سنتين ونصف السنة من عمرها، رغم سلامتها الصحية وأهليتها للخروج والاندماج في المجتمع الطبيعي!
كيف سوّغ للمستشفى أن تحتجز شخصا عاقلا سليما بالغا ضد إرادته طوال هذه المدة!
الأمر المحير الثاني: لماذا يتم «تسليم» الفتاة إلى قسم الشرطة!
هل عليها جرم ليتم تسليمها لقسم الشرطة!
ونتابع مع هذه الفتاة: حاول مركز الشرطة إيداع الفتاة في دار الرعاية، فرفضت الدار استلامها، ثم حاول إيداعها في دار الحماية ثم دار الضيافة، وأيضا رفضت الداران استلام الفتاة.
ليستقر الأمر بعد أربعة أيام من الأخذ والرد -إلى تاريخ كتابتي هذا المقال السبت 27 أكتوبر- إلى احتجاز الفتاة في قسم الشرطة طوال هذه الفترة، وإلى أجل يعلم الله مداه.
وقد حاولت المحامية التي تحاول تحصيل حق هذه الفتاة، إخراجها من قسم الشرطة ولو بتوقيعها كفالة حضورية على مسؤوليتها رأفة بحالها، لكن رفض قسم الشرطة ذلك.
الأمر المحير الثالث هنا: لماذا ترفض الشرطة خروجها من القسم! ولماذا حاولت إيداعها في تلك الدور الثلاث رغم أن:
1/‏‏ الفتاة ليست ممن يستحق دخول هذه الدور- الرعاية/‏‏ الحماية/‏‏ الضيافة-.. فلكل دار من هذه الدور لوائح تنظمها وتحدد الفئة التي تستضيفها.
وهنا لا بد أن أشيد بقرار تلك الدور القوي والذي رفض توقيع احتجاز ظالم لهذه الفتاة، هذه دور أدركت أنها ليست دورا أنشئت لحجز الفتيات ظلما ورغما عن إرادتهن إرضاء لولي أمر أضاع مسؤوليته ويرفضها.
2/‏‏ لا يحق للشرطة احتجاز شخص دون إرادته ما دام لم يفعل جرما يستحق ذلك، وليس عليه أمر قضائي يوجب توقيفه، وذلك حسب اللوائح، ففي المادة الثانية من نظام الإجراءات الجزائية: لا يجوز القبض على أي إنسان أو تفتيشه أو توقيفه
أو سجنه إلا في الأحوال المنصوص عليها نظاما، ولا يكون التوقيف إلا في الأماكن المخصصة وللمدة التي تحددها السلطات المختصة. وفي المادة السابعة من نظام السجن والتوقيف: لا يجوز إيداع أي إنسان في سجن أو في دار للتوقيف أو نقله أو إخلاء سبيله إلا بأمر كتابي صادر من السلطة المختصة، ولا يجوز أن يبقى المسجون أو الموقوف في السجن
أو دور التوقيف بعد انتهاء المدة المحددة في أمر إيداعه.
للآن -تاريخ كتابتي المقال- والفتاة ما زالت مودعة في توقيف قسم الشرطة، وأتساءل: هل ما يجري للفتاة من احتجاز لحريتها وحرمانها حق العيش الطبيعي، يمثل عدالة؟
وأتساءل عن النقاط المحيرة الثلاث السابقة؟
أتمنى أن يُساءل هذا المستشفى الذي استفاق بعد سنتين ونصف السنة، بأي حق احتجز الفتاة!!
وبأي حق يقوم بتسليم الفتاة للشرطة بدل الإفراج عنها!
أتمنى أن يُساءل المسؤولون في قسم الشرطة بأي حق يحتجزون هذه الفتاة!
وعلى ماذا استندوا في محاولتهم كتم صوتها ومنع حريتها عبر محاولة إيداعها في دار الرعاية ثم الحماية ثم الضيافة!
وأضم لتساؤلاتي هذه تساؤلا عن «شرط وجوب استلام ولي أمر» للفتيات عند انتهاء محكومياتهن أو علاجهن، متى ينتهي هذا الظلم من أولياء الأمور المزعومين للمرأة!
الشريعة جعلت نظام «ولي الأمر» للمرأة، بهدف حمايتها وضمان سلامتها، ثم ثبت أن بعض أولياء الأمور يمكن أن يسيء إلى المرأة بتضييعهم هذا الحمل والأمانة ورفضهم القيام بواجباتهم، فلا معنى لتجاهل مقاصد الشريعة.
هذه الفتاة وأمثالها لا يمكن اعتبار ما جرى لهن إلا نوعا من الوأد الخفي، وقتلا لأرواحهن وهن على قيد الحياة.
أتمنى أن تتولى الدولة تأهيلهن بما يساعدهن على الاستقلال بالعيش بعيدا عن هذا الذي يرفض تحمل مسؤولياته.
إن الله يمهل عبده حتى الجاحد والكافر به، ويقبل توبته، وهو العظيم القادر، وهؤلاء حفنة من البشر يرفضون قبول ابنتهم إن أخطأت أو حادت عن الطريق قليلا، وكأنهم آلهة معصومون!
  الرجل الشهم النبيل ليس في حاجة لنظام ولاية ليقوم بمسؤولياته!
والعائلة المبنية على الثقة والاحترام وإيتاء كل ذي حق حقه، لن تحتاج لنظام ولاية كي ترعى بناتها ونساءها!
لا ولاية في الإسلام على المرأة الراشدة العاقلة إلا في الزواج، وعلى خلاف بين الفقهاء، وهي حتى في مسألة الزواج ولاية عون لا ولاية استبداد وإجبار.
نتمنى أن يتم إجراء فوري في قضية هذه الفتاة، وفي قضية نساء وطني اللواتي يئنّ كثيرات منهن تحت وطأة ولي مستبد متسلط أو منحرف أو مضيع لمسؤولياته بسبب هذا النظام -نظام ولي أمر المرأة-.
وسبحان من سمى نفسه العدل وكتب على نفسه الرحمة.