كل أملي في اقتناع العقول والقلوب الباحثة عن مستقبل أفضل للبشرية، بأنه لا بديل عن الاجتماع على المشتركات، وتحقيق التكامل
عنوان المقال، طبق عمليا في القاهرة مؤخرا، وعلى مدار ثلاثة أيام، إذ تكاملت أربع جهات رصينة هي: (الأزهر الشريف)، و(مجلس حكماء المسلمين)، و(مركز نظامي كنجوي الدولي)، و(مكتبة الأزهر)، في تنظيم ندوة دولية، تخللتها جلسات علمية مركزة، ودراسات مستفيضة معمقة، للموضوعات الخاصة بالقراءة المعاصرة للإسلام والغرب، خاصة وقد ثبت للمنصفين من الناس أن الإسلام ليس بالمعتقدات الغريبة، وغير المألوفة، ولا يعكر صفوه إلا المتطرفون والجهاديون والإرهابيون، الذين لا يألون جهدا في خلق التوترات بين الشعوب الغربية، والمسلمين الذين يعيشون وسطهم، إن باستخدام الإرهاب، أو بتأييدهم الأعمال الإرهابية التي يقوم بها المهمشون والموتورون، واستفاد (السياسيون الشعبويون) منها في دفع قضايا الهجرة والبطالة على الساحة، ومهاجمة التعددية التي تعتبر أساس القيم التي تحكم البناء الأوروبي، وتقديم الإسلام على أساس أنه دين التطرف والتعصب، وتكريس الدعوة إلى عدم التسامح معه، رغم شهادة التاريخ له بأنه على عكس مزاعمهم التي لا يتفوه بها، إلا من لا يحسن قراءة التاريخ.
لا أريد تكرار الخوض في الأساليب الانفعالية والاتهامية التي يستخدمها الإعلام غير المنصف، في ربطه التطرف والعنف والإرهاب بالإسلام، لأن الأهم من هذا اليوم، هو الوصول لمعالجة الشقاق الحاصل بين الغربيين والمسلمين في أوروبا، وتطوير العلاقات بين الجميع، بعد تشخيص تام للقضايا المعاصرة المتعلقة بالعلاقة بين الإسلام والغرب، ولقد كان شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، وهو يشرف على هذه الندوة الثرية، واضحا كعادته، وهو يقول للحضور وللعالم، في بداية افتتاحها، وبتعمقه المعهود: «فكرت طويلا في الكلمة التي ينبغي أن أسهم بها في ندوتنا هذه، ووجدتني في حالة تشبه حالة المضطر للحديث في موضوع مكرور، قيل فيه كلام كثير، وصدرت بيانات وتوصيات لا يستهان بقدرها في الدعوة للحوار بين الحضارات، وضرورة الالتقاء على أمر جامع بينها لأجل إنقاذ عالمنا المعاصر من مخاطر الصراع والسلام المتوتر، وحروب الأمس الباردة، واليوم الملتهبة، ورغم الجهود المشكورة من حكماء الغرب والشرق، إلا أن الطريق لا يزال وعرا، وأن جهدا أكبر يجب أن يبذل، وقد تأملت هذه المفارقة اللا منطقية بين الواقع والمأمول، وبدا لي أن السبب قد يعود لوجود عقبات على طريق الحوار، وأن الاشتغال بالتركيز على هذه العقبات: تشخيصا وعلاجا ربما كان أجدى وأكثر اختصارا لهذا المشوار الطويل، -مضيفا- أن الإسلام مختطف بالإكراه لارتكاب جرائم إرهابية بشعة على مرأى ومسمع من أهله وذويه والمؤمنين به، وأن المسلمين الذين يوصفون بالعنف والوحشية هم، دون غيرهم، ضحايا «الإرهاب الأسود»، وأن تعقب أسبابه، والبحث عن علله القصوى ليس محله الإسلام ولا الأديان السماوية، ومحله الصحيح الأنظمة العالمية التي تتاجر بالأديان والقيم والأخلاق والأعراف في أسواق السلاح والتسليح وسياسات العنصرية البغيضة والاستعمار الجديد».
صدق شيخ الأزهر، رئيس مجلس حكماء المسلمين، الذي أخذ على عاتقه، ومنذ فترة طويلة، مهمة إنجاح العلاقة بين الشرق والغرب، وكل أملي في اقتناع العقول والقلوب الباحثة عن مستقبل أفضل للبشرية، بأنه لا بديل عن الاجتماع على المشتركات، وتحقيق التكامل، وأن الاندماج الإيجابي للمسلمين في مجتمعاتهم، وتعايشهم وتعاونهم كمواطنين فاعلين ومؤثرين، والسعي إلى الوصول لفهم متفق عليه، يتجاوزون به الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين، أمر حتمي، جنبا إلى جنب مع المحافظة على هويتهم وخصوصيتهم الدينية.