حان الوقت لتأسيس جهات قادرة على صناعة الحملات الإعلامية المنظمة للتأثير على الناس بأسرع الوسائل وأكثرها قدرة على التسلل والتوغل، للرد على الأفكار والإشاعات والمعلومات الخاطئة
ومع ما تتعرض له المملكة الآن من حملات منظمة، لغرض الإساءة لسمعتها وتشويه صورتها أمام الرأي العالمي عموما والغربي خصوصا، أصبح من الضروري الالتفات نحو مفهوم الحرب الإعلامية واستيعابها بغرض التأثير على الرأي العالمي، وعدم الاقتصار على الرأي المحلي والعربي، فالشعب السعودي أثبت مع هذه الهجمات الإعلامية الشرسة التي سلاحها الأوحد هو الكذب وقلب الحقائق وتزييفها، بأنه شعب لا يرضى المساس بسيادة وطنه، عاكسا أصالته ومحبته لبلاده وتلاحمه القوي مع قيادته الرشيدة.
أصبح الإعلام في الوقت المعاصر يتطور بسرعة هائلة مع تطور التقنية، وأثبت بأنه الأداة الأكثر فاعلية من بين أدوات التأثير النفسي المتاحة في وقتنا الراهن، خاصة مع تطور وسائل الاتصال وسبل التأثير على المستوى الكوني الشامل، حتى سادت قناعة بأن الحرب تحسم إعلاميا قبل أن تحسم ميدانيا، لذا ليس من المستغرب اليوم أن تبني دول متزايدة سياستها الخارجية والداخلية وفقا لإستراتيجية إعلامية موحدة، من أهم مكونات هذه الإستراتيجية المواجهة الإعلامية، بل الحرب الإعلامية إذا أردنا تحري الدقة.
أصبحت الفضائيات والإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي تعمل على تكوين الرأي العام المطلوب، وأصبحت أدوات طيعة بأيدي رجال السياسة والاقتصاد، حتى وصلت لدرجة تشويه صور دول وحكومات وشعوب بأكملها، لذلك من الواجب علينا اليوم التعامل مع هذا السلاح بجدية أكبر لاستغلاله الاستغلال الأمثل، وتفعيل دوره لنتحول من موقع الدفاع لموقع الهجوم، فلا نقتصر على ثقافتنا ولغتنا، بل مخاطبة شعوب العالم، كل بلغته وحسب ثقافته وطبيعته النفسية والاجتماعية.
من الضروري تأسيس مراكز للبحث العلمي المختصة في مجال الحملات الإعلامية، فالبحث العلمي هو أفضل طرق جمع البيانات من أجل التخطيط الإستراتيجي السليم لأي عمل إعلامي مضاد، ولمعرفة طبيعة المجتمعات المعنية التي يراد التأثير عليها، فكل مجتمع له تاريخه وثقافته المختلفة التي تؤثر على الرأي العام فيه، ودراسة هذه الجوانب تؤدي إلى اكتشاف أفضل الطرق والأساليب للتأثير المباشر على الوعي الجمعي، مما ينعكس على القرار السياسي في ذاك المجتمع.
وأعتقد بأن الوقت قد حان لتأسيس جهات إعلامية قادرة على التأثير على الرأي العام الغربي، جهات قادرة على صناعة الحملات الإعلامية المنظمة للتأثير على الناس بأسرع الوسائل وأكثرها قدرة على التسلل والتوغل، للرد على الأفكار والإشاعات والمعلومات الخاطئة، مع طرح المعلومات والأفكار التي تهدف إلى تغيير وجهات النظر وتسييرها، فالرأي العام الغربي معرض دائما للتضليل والتلاعب من قبل أشخاص ومنظمات ذات أهداف مغرضة وآراء متحيزة، ولا شك لدينا بأن بلادنا ومجتمعنا كانا ضحية على الدوام لمثل هؤلاء الأفراد والمنظمات التي تقف خلفها حكومات أجنبية.
إن الحرب الإعلامية مهمة للغاية، والتأسيس لآلة إعلامية عابرة للحدود تتصف بالشمولية والقدرة على التكيف والتعاطي مع ثقافات ولغات مختلفة، بغية الوصول لأكبر شريحة ممكنة حول العالم، فبلادنا مستهدفة ولا يساورنا شك في ذلك، وحرب اليوم عولمية سلاحها التقنية، فإذا لم نتصدّ لهذه الحروب الإعلامية بحروب مضادة تستخدم نفس الآليات فإننا سنعاني كثيرا، فأعداؤنا قد سلوا سيوف الكذب والتضليل والخديعة، والواجب علينا جميعا الوقوف تجاه هذه الحملات الإعلامية المشبوهة.