يقال إن كل ناجح محارَب أو محسود، وعادة من يقوم بذلك هو كل من يشعر بنقص ما! وماذا لو كان هذا الناجح شخصية قيادية ديناميكية تتمتع بجاذبية وكاريزما؟ هنا العداء يصبح شرسا، وكل الطرق تصبح في عرف المهاجم متاحة! حسنا،
يقال إن كل ناجح محارَب أو محسود، وعادة من يقوم بذلك هو كل من يشعر بنقص ما! وماذا لو كان هذا الناجح شخصية قيادية ديناميكية تتمتع بجاذبية وكاريزما؟ هنا العداء يصبح شرسا، وكل الطرق تصبح في عرف المهاجم متاحة! حسنا،
ألا يحدث أن تتخذ هذه الشخصيات القيادية قرارا شخصيا غير سليم، أو تقع في زلة في لحظة لا يكون المرء يفكر أصلا بأنها تحتاج إلى أن يكون ذهنه على أهبة الاستعداد؟! وتبدأ الحرب الشعواء، كل يقف بالصف وبيده حجر، وكأن الجميع ملائكة بنقاء الثلج الأبيض وعلى رؤوسهم هالات البراءة!
هل أنتم تدافعون عن الفضيلة؟! كيف؟! بالنشر مع تعليقات تشير إلى فضيحة! والمضحك المبكي أنه أحيانا تكون الزلة - إن كانت كذلك أم لا - من أحدهم في المشهد والذي يُشهّر به الثاني! وهل يتنبّه أي أحد منّا إلى ذلك؟ كلا! فالناقل مشغول بأحقية السبق «الخبري»، وكأن لسان حاله يقول: «قد يكون لديّ العبر، ولكن الحمد لله ليس لديّ هذا»! يعتمد هؤلاء المدمرون، مطلقو الإشاعات والأخبار المدمرة، على أن الناس ينفرون من الأشخاص الذين يتخذون خيارات سيئة، ولكنهم يعلمون أيضا أن الكثير من هؤلاء الناس سوف يتفهمون أننا جميعًا بشر قد نرتكب أخطاء، لا سيما عندما يقوم الشخص ببذل كل جهد لتغيير سلوكه أو يعوض عما ارتكبه من خطأ، ولهذا لا يتركون له المجال لذلك، يريدون تدميره كليا حتى لا يقف ثانية على قدميه!
المدمرون يأتون في أثواب مختلفة، قد تدفع أحدهم الغيرة من أن يمتلك هذه الشخصية آخرون ويتمتعون بصحبته، بل مجرد ذهابه إلى مركز آخر قد يجعله يبدو أقل منه أهمية، وهنا يعمل على تحطيم سمعته، حيث سيذهب قبل أن يترقى ويستقر بعيدا عنه! وهناك من يخفي نواياه خلف جدار الطيبة، ويدمر دون أي وازع من ضمير، لمجرد أن يظهر أمام الضحية فيما بعد بثوب المنقذ، وبهذا يكون المستفيد! ومنهم من يريد أن يدمر فقط لأن الناجح يذكره بمكانته في المجتمع أو بوظيفته التي يكرهها، وهم عادة ناقمون على الجميع، ولا يصدقون أن يجدوا شيئا على أحد أفضل منهم حتى يبدؤوا بالحرب، وما إن تنتهي واحدة حتى يلحقوها بأخرى وهلم جرًّا! وهناك من يرى أن كل ما وصل إليه الضحية ليس من حقه؛ فلا موهبة لديه ولا تميّز، بل إن ما وصل إليه كان - في رأيهم - من خلال المحاباة أو الوساطات أو حتى التملّق، المهم أن الضحية من وجهة نظرهم، لا يستحق هذا المكان، لأنهم الأفضل والأقدر!
ومن جهة أخرى هناك ما سوف يساعد الضحية، إن هو لم ينهر أو يلجأ إلى الانتقام؛ لأن ذلك سوف يزيد من حوله العداء، ما يجب فعلُه هو التمسك بالقيم والنزاهة مع التجاهل والتركيز على العمل، فدائما النتائج هي التي تتحدث، لأنه دائما سوف يكون هناك من لا يتقبل ويرفض أن يشارك في المهزلة، أناس لا يتخلون عن البحث والتأكد والمراجعة، وبغض النظر عما يجدون، لا يشاركون في النشر، بل يدور الخبر إلى أن يصلهم وبكبسة زر يُمحى! إنهم من مدرسة أخلاقيات ديننا الحنيف، يتمسكون بالروح وليس بالشعارات! إنهم من مدرسة سقراط واختبار «الثلاث أسئلة» الذي وضعه لكل من يسمع ويريد أن ينقل خبرا، وللتوضيح أنقل إليكم القصة التالية:
في أحد الأيام جاء هذا الفيلسوفَ العظيم أحدُ معارفه، وقال له بحماس: «سقراط، هل تعرف ما سمعته للتوّ عن أحد طلابك؟» أجابه سقراط «انتظر لحظة قبل أن تخبرني، أودّ منك أن تجتاز اختبارًا صغيرًا، يطلق عليه اختبار الثلاثة»، استغرب الرجل وقال «ثلاثة»!، أكمل سقراط، «قبل أن تتحدث معي عن طلابي، لنأخذ لحظة لاختبار ما ستقوله لي؛ الاختبار الأول هو الحقيقة، فهل تأكدت مما ستخبرني به أنه صحيح»؟ قال الرجل «لا، في الواقع سمعت به»، هنا بادره سقراط بقوله «إذًا أنت لا تعرف حقيقة ما إذا كان هذا صحيحا أم لا»! وأكمل «دعنا نجرب الاختبار الثاني، الخير، هل أنت توشك أن تخبرني خبرا فيه خير عن أحد طلابي»؟ «لا، بل على العكس»، قالها الرجل بكل حماس، رد سقراط «هكذا إذًا! تريد أن تخبرني عن أمر سيئ عنه، وأنت أصلا غير متأكد من صحته»؟! شعر الرجل بالحرج، هنا تابع سقراط «ربما ما زالت لديك فرصة في هذا الاختبار، هناك مرشح الفائدة، فهل ما تريد أن تخبرني به عن أحد طلابي، سوف يكون ذا فائدة لي»؟ ازداد الرجل حرجا وهمس «لا، ليس كذلك»، فقال سقراط «حسنا، إذا كان ما تريد إخباري به ليس صحيحا، ولا جيدا، ولا حتى مفيدا، فلماذا تخبرني به أصلا»؟ عندها تراجع الرجل خجلا من نفسه وذهب! بهذا يتضح لنا كم كان سقراط حكيما، لا ينجرّ خلف التفاهات، فلم يكن يصدر الحكم، بل يترك صاحب الشأن يصل بنفسه إلى الاستنتاج السليم.
أما بالنسبة للمدمرين فالمؤسف حقا، أنهم حين يقررون اغتيال سمعة شخصية ما، أحيانا كثيرة ينتهون بتدمير أسر بأكملها! أليس من حق كل إنسان علينا أن نتوقف قليلا ونجيب عن أسئلة سقراط الثلاثة عند مواجهة أي خبر يصل إلى دائرة انتباهنا؟ متى سنتعلم أن نوقف مثل هذه الأخبار عندنا ولا نسهم في نشرها، أن نمحوها حالما تصل إلينا؟! فبدلا من أن ندافع عن نقلنا للخبر، لنفكر بمن هم في قلب الخبر، ونضع أنفسنا مكانهم، فلسنا نحن من نحاسب، ولسنا نحن من يقرر من يستحق ومن لا يستحق، فهناك رب عادل رحمن رحيم.