حسنا فعلت وزارة العمل والتنمية الاجتماعية عندما تراجعت عن قرارها غير المدروس والقاضي باستبعاد أبنائنا المعاقين من تلقي الخدمات بالمراكز النهارية التابعة للوزارة، ودمجهم مع مدارس وزارة التعليم كون نسبة ذكائهم تفوق الخمسين درجة.
يذكر أن خبر الإعلان عن القرار لم يلبث ساعات معدودة إلا وانتشر بسرعة البرق في وسائل التواصل الاجتماعي، وأنشئت له أوسمة تويترية استنكر من خلالها الكثيرون هذا القرار الصادم، بسبب عدم وجود قبول في برامج الدمج وعدم جاهزية المدارس لاستقبال ما يقرب من 7955 طفلا معاقا.
 الأسئلة المطروحة: لماذا عدلت وزارة العمل عن القرار بهذه السرعة الفائقة وهو أسبوع واحد فقط ما بين لحظة صدور القرار والتراجع عنه؟ هل الوزارة لم تكن تعلم بأن المدارس ليست لديها الجاهزية الكافية من قبيل توفر المنزلقات ودورات المياه الخاصة والأرضية المطاطية، أو الكوادر المتخصصة والكافية للتعامل مع تلك الحالات؟ كيف ذلك ووزارة العمل هي من اتفقت مع وزارة التعليم على إصدار القرار؟ لماذا هذه التخبطات؟ صحيح أن العدول الفوري خيار أوفر للجهد والوقت ويضفي مصداقية على صاحبه، لا سيما حينما يتعلق القرار بحقوق الناس المادية، أو رفع الظلم عنهم، خاصة ونحن نشاهد في مؤسساتنا الحكومية والخاصة العديد من القرارات التي ما زلنا ندفع ثمنها لأن متخذ القرار مصر على ألا يعدل عن قراره، فتأخذه أحيانا «العزة بالإثم»! ولكن أكثر ما يحرجنا عند التراجع عن القرار أن المعلومات التي بنينا عليها القرار كانت سطحية وغير دقيقة، وعليه يجب أن نجيب أولا عن السؤال الأهم: ماذا نريد من هذه الفئة العزيزة على قلوبنا حتى تشاركنا عملية التنمية الشاملة؟
 في الواقع لا يمكننا الإجابة عن هذا السؤال ونحن لا نملك بنية تحتية ثقافية وتشريعية ومؤسساتية، فوزارة العمل لديها الكثير من الملفات المهمة وهي غير قادرة على حمل هذا الملف الذي أثقل من كاهلها، فهي لا تملك سوى قسم صغير داخل مبناها يختص بهذه الفئة التي تتجاوز 632078 حالة، بحسب ما جاء في تقرير الهيئة العامة للإحصاء في مناطق المملكة لعام 2017. إذن نحن بحاجة ماسة لهيئة حكومية خاصة بذوي الإعاقة تربط جميع وزارات وأجهزة الدولة، بحيث يكون لديها خطة إستراتيجية وطنية متكاملة خاصة بذوي الإعاقة تراعي حقوقهم والتي في المحصلة تصب في نبع واحد وهو التنمية الشاملة. هذا المقترح ليس جديدا، فهناك قرار يقضي بإنشاء هيئة للمعاقين لكنه لم يفعل إلى الآن. وهنا سأورد بعضا من مهام الهيئة المقترحة:
(1)
إيجاد البيئة المناسبة لهم في الرعايا والتأهيل، فلا زالت بعض الأبنية مستأجرة وقديمة ومترهلة وأغلبها لا يصلح للسكن أو الرعاية. وعليه يجب منح أراض وتسهيل الإجراءات الخاصة ومنح القروض البنكية، لتسهيل عملية بناء دور ومراكز خاصة بذوي الإعاقة.
(2)
أهمية إنشاء مراكز دراسات علمية داخل الهيئة معنية بهذه الفئة.
(3)
مطالبة مجلس الشورى بالتمثيل الاجتماعي لهذه الفئة فهم الأقدر على إيصال صوتهم والمطالبة بحقوقهم.
(4)
تتكفل الهيئة بإصدار اللوائح التنفيذية التي تمنح المعاقين حقوقهم التعليمية والصحية والتأهيلية والترفيهية، فهناك الكثير من القصور فيما يرتبط بمراعاة احتياجاتهم في المباني، والطرق، والمواصلات، والمستشفيات والمراكز الصحية والحدائق والاتصال والمعلومات وغيرها.
في الحقيقة لا يمكننا أن نتحدث عن دمج المعاقين في مدارس التعليم العام في الفترة الحالية مع عدم وجود بنية مؤسسية خاصة بهذه الفئة، الدول الأخرى قامت بالدمج لأن لديها مؤسسات عامة وخاصة للإعاقة.
أخيرا أقول: حتى نتجنب لحظات العدول عن قراراتنا المتسرعة لا بد أن ندرسها بدقة ونعرف أسبابها الحقيقية، لأن اتخاذ القرارات أولا وقبل كل شيء مسؤولية أخلاقية ومهنية.