المسلم يؤدي الصلاة في أرض الله في أي دولة بغض النظر عن ديانتها، ولو مُنع من الصلاة في المسجد، فإنه يصليها في بيته، فلا تسقط الصلاة عن المكلف
ما كان ينبغي لأي كاتب في بلادنا أن يتحدث فيما لا يحسن، ولا أن يستعدي الغرب على بلادنا، مدّعياً أنهم يحترمون عاداتنا وديننا، وأن بلادنا تحارب عاداتهم، فهذا الادعاء غير صحيح، ومعلومٌ أن كل من جاء إلى بلادنا يُحتَرَم، ولا يتدخل أحد في خصوصياته وعاداته، لا في نوع أكله ولا لبسه ولا اللغة التي يتحدث بها، ولا الرياضة التي يُزاولها..الخ، وهم ينعمون في بلادنا بالأمن وحفظ الحقوق، وحسن المعاملة التي قد لا يجدونها في بلادهم، مما دعا الا?لاف منهم لاعتناق دين الإسلام، ولغة الأرقام في مكاتب دعوة الجاليات في المملكة شاهدة بذلك، ومن بقي على دينه فإنه لا يُتَعرَض له، فلا إكراه في الدين، وقد جعل الإسلامُ الاعتداءَ على الكافر المعاهد الذي يعيش في بلادنا، سببا لدخول النار، والحرمان من الجنة، فقال النبي عليه الصلاة والسلام (من قتل معاهدا لم يَرَح رائحة الجنة)، فلمصلحة مَنْ تُقلَب الحقائق، ويُقال إن بلادنا تُحارِب عاداتهم؟
إن كثيراً من أفراد مجتمعنا يُسافر إلى بلادهم، فيلبس لبسهم، ويتحدث بلغتهم، وهم إذا أتونا لا يفعلون ذلك، بل يلتزمون بلباسهم، ويعتزون بلغتهم، فلا يتحدثون إلا بها، وما تدخل أحدٌ بعاداتهم، فضلا عن محاربتها، ولكن الجهل والانبهار بالآخر، يُعْمي ويُصِم، ويجعل بعض الناس يتحدث فيما لا يفقه مآلاته.
ومن ذلك أيضا قولهم: بحرية ممارسة الكفار عباداتهم الشركية في بلاد الإسلام، وبناء الكنائس، بحجة أنهم يسمحون بعبادة الله في بلادهم، وكأنه لا بد من المماثلة، واتباع سَنَنِهم القذَّة حذْو القذَّة، فهذا قول خاطئ، وقياسٌ مع الفارق، فنحن نعامل الكفار بمقتضى شريعة الله، لا بأهواء أنفسنا، فسماحهم للكافر بالدخول في دين الإسلام، لا يُسوِّغ - في حكم الإسلام -السماح للمسلم بالخروج من دينه، وسماحهم للمسلم أن يتزوج من نساء بلدهم، لا يُسوِّغ السماح لهم بالزواج من مسلمة؟! وسماحهم في بلادهم للفحشاء والمنكر، لا يسوغ تمكينهم من ذلك في بلاد الإسلام، ليست المسألة مماثلة، بل لنا ديننا ولهم دينهم، ولنا مرجعيتنا ونظامنا في بلادنا، ولهم مرجعيتهم ونظامهم في بلادهم.
والمسلم يؤدي الصلاة في أرض الله في أي دولة بغض النظر عن ديانتها، ولو مُنع من الصلاة في المسجد، فإنه يصليها في بيته، فلا تسقط الصلاة عن المكلف، ثم إن الأرض لله، وقد أذن الله أن يُعبَد فيها وحده لا شريك له، ونهى أن يُشرَك به، فلا تقاس المساجد التي يُذكَر فيها اسم الله وحده لا شريك له، بالكنائس التي يُشرك بها مع الله، ويُكفَر بها، ولا يُسوِّي بينهما مَن عرف التوحيد وما يناقضه.
قال شيخنا ابن عثيمين رحمه الله: (إن قال قائل: إذا كانوا لا يمنعوننا من إحداث المساجد في بلادهم، فهل لنا أن نمنعهم من إحداث الكنائس في بلادنا؟ الجواب: نعم، وليس هذا من باب المكافأة أو المماثلة، لأن الكنائس دور الكفر والشرك، والمساجد دور الإيمان والإخلاص، فنحن إذا بنينا المسجد في أرض الله فقد بنيناه بحق، فالأرض لله، والمساجد لله، والعبادة التي تقام فيها كلها إخلاص لله، واتباع لرسوله صلّى الله عليه وسلّم، بخلاف الكنائس والبِيَع، ومن سفه بعض الناس أنه يقول: لماذا لا نمكنهم من بناء الكنائس في بلادنا كما يمكنوننا من بناء المساجد في بلادهم؟ الجواب: نقول: هذا من السفه، ليست المسألة من باب المكافأة، إذ ليست مسائل دنيوية، فهي مسائل دينية، فالكنائس بيوت الكفر والشرك، والمساجد بيوت الإيمان والإخلاص فبينهما فرق، والأرض لله، فنحن إذا بنينا مسجداً في أي مكان من الأرض فقد بنينا بيوت الله في أرض الله بخلافهم ).اهـ.
هذا هو دين الله، ولكن تكلم في العلم - كما قال الشافعي - من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه، لكان الإمساك أولى به، وأقرب من السلامة له إن شاء الله، ولا آفة على العلوم وأهلها - كما يقول ابن حزم- أضر من الدخلاء فيها، وهم من غير أهلها، فإنهم يجهلون ويظنون أنهم يعلمون، ويفسدون ويحسبون أنهم يصلحون.