نحن لدينا مصالح كبرى مع جمهورية الصين الشعبية، ليس من اللائق أن ننشر أخبارا مغلوطة عن دولة صديقة، لأننا نحن أيضا لا نسمح لأي دولة بأن تفسر أي إجراءات أمنية نقوم بها داخل حدود وطننا، بأنه انتهاك لحقوق الإنسان

نشرت الزميلة صحيفة الْيَوْمَ السعودية في عددها الصادر السبت الماضي 8 سبتمبر، خبرا نقلته عن صحيفة بريطانية، بأن الأمم المتحدة تعاني من الانزعاج بسبب احتجاز الصين مليون مسلم داخل معسكرات سرّية في الصين.
في الحقيقة، الخبر رغم تكراره بشكل شبه شهري ومنذ زمن طويل في صحف مختلفة، إلا أني أجده طريفا للغاية، ورغم أنه مستفز لكثير من الأصدقاء الصينيين، لما فيه من اتهام باطل وافتراء جائر، إلا أنه في الحقيقة أضحكني لأني تخيلت سجنا يسع مليون شخص، سجنا يسع سكان 3 دول خليجية، والأكثر طرافة أن هذا السجن سرّي للغاية ولا أحد يعلم موقعه، في الزمن الذي تكشف فيه الأقمار الصناعية الاستخباراتية أكثر الإرهابيين قدرة على التخفي والتستر والهرب.
ومن طرائف الخبر، أنه يقول إن الحكومة الصينية تجبر المسلمين في هذا السجن السرّي على شرب الخمر، وأكل لحم الخنزير، وهذا يعني أنه يوجد سجن فيه مليون شخص شبعان وسكران، وأيضا لاحظ ذلك أنه يتم بشكل سرّي.
أعيش في الصين منذ ديسمبر 2014، أديت الصلاة في مساجد كثيرة في مختلف أرجاء الصين، صليتُ على سُوَر الصين العظيم، وفي عاصمتها بكين ومدنها الصغيرة، وصليت فردا وجماعة مع أصدقائي في الأماكن العامة مثل الجامعة، والحدائق، والأسواق، والمطارات، والقطارات، وأمام أعين رجال الأمن، لم يحدث يوما أن منعني أو ضايقني أحد، وأزور دائما مطاعم تنتشر عليها كلمة «حلال» باللغة العربية، وأجدها مليئة بالصينيين غير المسلمين، فهم يحبون النكهة الخاصة بطعام المسلمين، ورغم أن أكثرهم لا يعرف ماذا تعني كلمة «حلال».
الحكومة الصينية تدعم إقامة المساجد وصيانتها وحراستها، وتدفع رواتب موظفيها وأئمتها ومؤذنيها، ولديها اهتمام واسع بخدمة الحجاج والمعتمرين، وتتعاقد مع شركات الطيران والإعاشة والسياحة لخدمتهم بشكل جيد، وتتابع مجريات أمورهم
منذ سفرهم وحتى عودتهم، والجامعات الصينية تهتم ببحوث الدراسات الإسلامية، إذ لدي زميل سعودي يبحث في الدكتوراه عن الإسلام في الصين، وسافر إلى كثير من الأماكن في الصين للبحث والدراسة، بدعم من المشرف على بحثه، رغم أنه غير مسلم.
هناك كثير من الإشارات والدلائل التي تشير إلى أن الحكومة الصينية تحمي حقوق الإنسان وحرية الأديان بمختلف مسمياتها، ولكن ما يحدث من إجراءات أمنية في بعض الأماكن في الصين، يستغلها الإعلام الخارجي كمحاولة لتشويه سمعة الصين الخارجية. لأنها ببساطة تمثل كابوسا اقتصاديا يهدد مصالحهم في مختلف دول العالم، نافسهم في كل المجالات، ولذلك نجد تلك الحكومات تحاول أن تعوق تقدم الصين الاقتصادي باستغلال العاطفة الدينية، رغم أن ما يهم تلك الحكومات هو الاقتصاد لا الأديان، ولذلك أتمنى ألا أرى صحفا سعودية تعيد تداول مثل تلك الأخبار، حتى ولو نقلا عن صحف بريطانية أو أميركية، نحن لدينا مصالح كبرى مع جمهورية الصين الشعبية، ليس من اللائق أن ننشر أخبارا مغلوطة عن دولة صديقة، لأننا نحن أيضا لا نسمح لأي دولة بأن تفسر أي إجراءات أمنية نقوم بها داخل حدود وطننا، بأنه انتهاك لحقوق الإنسان، فنحن دولة تحترم حقوق الإنسان، وكما هي الصين الدولة الصديقة تحترم حقوق الإنسان، مما جعلها تخلّص أكثر من 600 مليون شخص من دائرة الفقر، وهذا لا يمكن أن يحدث في دولة تنتهك حقوق الإنسان، وتسجن مليون شخص في سجن سرّي، وتجبرهم على شرب الخمر كما يدّعي الخبر الطريف الذي نشرته الصحيفة البريطانية، ونقلته عنها -للأسف- صحيفة سعودية.