يتوافق الناس على رأي حول مشكلة ما، ويناقشونها ويبحثون عن العلاج لها الذي يسهم في القضاء عليها أو الحد منها، إلا في هذا الموضوع رغم أنه مثل السرطان ينهش في جسد المجتمع، وبين كل وقت وآخر نفقد المزيد من أرواح الأبرياء، وبعد ذلك يتم التنازل عن الجاني ويُنسى أمره بحكم قرابته من الضحية أو لنظرة أهل المجني

يتوافق الناس على رأي حول مشكلة ما، ويناقشونها ويبحثون عن العلاج لها الذي يسهم في القضاء عليها أو الحد منها، إلا في هذا الموضوع رغم أنه مثل السرطان ينهش في جسد المجتمع، وبين كل وقت وآخر نفقد المزيد من أرواح الأبرياء، وبعد ذلك يتم التنازل عن الجاني ويُنسى أمره بحكم قرابته من الضحية أو لنظرة أهل المجني عليه للموضوع بأنه خطأ غير مقصود، ولا حكم عليه، وأنه من القتل الخطأ، ويخرج حُرا طليقا.
 الموضوع هنا عن «رصاصة الفرح الطائشة» التي لا تزال ظاهرة في مجتمعنا تحصد أرواح الأبرياء بكل هدوء دون توجيه أصابع الاتهام تجاهها، أو تضامن أفراد المجتمع في بتر هذه العادة أو الموروث الذي هو بمثابة الأداة السحرية في تحويل مناسبة الفرح إلى مأتم وحزن بنفس الدقيقة والثانية.
 الأسبوع الماضي تحول فرح قرية مزهرة في جازان إلى حزن وعزاء ومأساة في ظرف دقيقة واحدة، تعاطفت معها قرى ومحافظات ومدن البلاد كلها بعد أن قتل أخ المعرس أخت زوجته وقريبته في تفاصيل مؤلمة.
 ولا تقف مآسي «رصاصة الفرح» عند قرية آل مزهرة فلها في مجتمعنا قصص وأحداث كثيرة لا تقتصر على مدينة أو منطقة دون الأخرى، والمطلع على تاريخ «الرصاصة الطائشة» أو «رصاصة الفرح» يجدها تقصف الأرواح بكل هدوء وبشكل متوالي، وفي مناطق مختلفة، من أطفال أو نساء أو رجال، تنطلق رصاصة من طائش فتنطلق معها أحزان بيوت جاءت لتفرح، ثم تنطلق وفود الشفاعة والتنازل ويخرج القاتل خروج الأبطال وتقام له الولائم حمدا لله على سلامة خروجه، لتنطلق قصة حزينة أخرى في مدينة ثانية، وفي كل مرة تنتهي القضية دون محاسبة أو سن قانون يحمي ويردع هؤلاء الجناة من هذه التهمة من سلب أرواح الأبرياء وسط فرحة، والأعجب من ذلك تنطلق الشفاعات والواسطات للتنازل عن الحق العام بعد إنهاء الحق الخاص، وكأن حق المجتمع العام ينتهي بجرة قلم.
 لماذا يُعد إطلاق النار بشكل عشوائي دلالة على الفرح والبهجة والسرور وما الرابط العجيب بين الفرح وإطلاق النار، وهي مجرد عادة قديمة جداً وموروثة تمسكنا بها، في هذا الوقت هي دليل على الجهل والتخلف، والتهاون مع قضاياها وتمريرها مرور الكرام باسم القدر وخطأ التعبير عن الفرح حال دون توقفها بل زاد من عدد ضحاياها.
 ولنتحاشى المزيد من ضحايا «رصاصة الفرح الطائشة» يحتاج هذا الأمر وقفة صارمة ووضع قانون يحدد غرامة مالية لكل من يحمل سلاحا أو يطلق النار في المناسبات أياً كانت تلك المناسبة، ومن كان بحاجة للتعبير عن فرحه وسروره بهذه الطريقة يستطيع الخروج إلى صحراء الربع الخالي وإطلاق ما يشاء من النار ثم العودة بعد ذلك للفرح أو المناسبة التي تعنيه، فليست الأرواح رخيصة بهذا القدر، ولا يقف الأمر عند قدر الله ومكتوبه فالأخذ بالأسباب واجب ومحاسبة المخطئين أوجب.