المجتمعات الأكثر انفتاحا على العالم هي تلك التي مزجت آراءها ومعتقداتها بمعتقدات أخرى، وخلقت الثقافة التعددية والحرية باتخاذ الآراء المبنية على التجارب مع تمسكها بمبدأ الهدف الواحد والآراء المتباينة
هل نحن مختلفون في الآراء؟ وهل يجب أن نختلف؟ وإذا كان هناك اختلاف ما الذي يجب علينا فيه أن نتفق. الإجابة نعم مختلفون، والسبب غير محدد. وذلك لأن جميع المواضيع التي يستحيل إثباتها إثباتا علميا يعظم الاختلاف فيما يدور حولها من الآراء، ولما كانت الآراء قائمة على مجموعة من العناصر منها العاطفية والدينية، فإنها تتبدل على الخصوص بتبدل البيئة، والمجتمع، والتربية، والمنفعة… إلخ.
هذا ما يقوله غوستاوف لبون في كتابة الآراء والمعتقدات، فالمجتمع ليس عبارة عن أشخاص يختلفون بتربيتهم وأخلاقهم فقط، بل بصفات انتقلت إليهم بالوراثة على الخصوص، والمجتمع في أول الأمر يتكون من أشخاص لا يختلف بعضهم عن البعض الآخر إلا قليلا، إذ لا يكون عندهم وقتئذ عقلية أخرى غير عقلية قبيلتهم، ومناطقهم ومجتمعهم وأعرافهم، فمشربهم واحد، ولكن عوامل التطور والتداخل المجتمعي لا تلبث أن تنفذ أحكامها وتضع قوانينها ومعادلاتها المنطقية وغير المنطقية، فتجد الناس يتفاوتون بتدرج، ويتم في هذا الوقت طرح التساؤلات بشكل سري على أنفسهم، وعن ما إذا كانت آراؤهم النابعة من معتقداتهم صحيحة أم لا، حينئذ يترقى بعضهم مسرعا، والبعض الآخر متثاقلا، وهكذا يتفاوتون في قطع مراحل الطريق الواحدة. وينشأ عن ذلك أن المجتمع في دور من أدوار تطوره يحتوي على أناس يمثلون جميع الأطوار التي اجتازها ذلك المجتمع بالتتابع، وتتحول الآراء بناء على متغيرات جديدة، وهذا ما يطلق تعبير التغير في المواقف والآراء النابع من التغير الاجتماعي، فالمجتمعات الأكثر انفتاحا على العالم هي تلك التي مزجت آراءها ومعتقداتها بمعتقدات أخرى، وخلقت الثقافة التعددية والحرية باتخاذ الآراء المبنية على التجارب، مع تمسكها بمبدأ الهدف الواحد والآراء المتباينة، وإذا ما عدنا إلى طرح تساؤلنا في بداية المقال، ولكن بطريقة أخرى حول لماذا نختلف في الآراء فستكون الإجابة باستحضار المثل الأكثر شعبية، وهو أنه عندما نقول إن كل الطرق تؤدي إلى روما نقصد أن كل الآراء تؤدي روما، فالهدف كما أسلفنا واحد، والطرق تختلف والأساليب كذلك، فمفهوم البرلمانات والشورى هي عبارة عن آراء حول قضايا تهم الجميع، لكن تختلف المناظير التي تتناول هذا الموضوع باختلاف التخصصات والاهتمامات والخبرات التراكمية.
إذن فنحن نختلف ولا بد أن نختلف، لكن لا بد أن نتفق على مصلحة ما نختلف عليه، وأعز ما نتفق عليه هو الوطن واللحمة الوطنية، فلك حق الرأي حول تقييم أداء هذه المؤسسة، أو تلك الوزارة بهدف الإصلاح، ولكن أن يكون رأيك هو قلم عدوك الذي انكسر على حدود دولتك، ولم يستطع الدخول إليها إلا عن طريق رأيك، فهذا يعني أنك لم تختلف معي في الرأي فقط، وإنما اختلفت معي في الهدف السامي، وهو حفظ الوطن.