ربما يمكن أن أنصح من يحب حفظ بعض من القرآن، لأن لي تجربتي في حفظ كامل القرآن والشغل عليه ثماني سنين دأبا، لأكتشف تحديين مهمين الأول ليس في الحفظ بل في المحافظة عليه؛ فهو أشد تفلتا من الإبل من
ربما يمكن أن أنصح من يحب حفظ بعض من القرآن، لأن لي تجربتي في حفظ كامل القرآن والشغل عليه ثماني سنين دأبا، لأكتشف تحديين مهمين الأول ليس في الحفظ بل في المحافظة عليه؛ فهو أشد تفلتا من الإبل من عقلها كما جاء في الحديث، والثاني تحدي المتشابه، وسوف أعرضه في نهاية المقالة.
إذن أقول: فليحفظ من يحب القرآن أمكنة بعينها ليست نهائية ولكن انتقائية مثل آخر سورة الشعراء بدءا من (وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين). آخر سورة البقرة من (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون)؟ آخر سورة آل عمران (إن في خلق السموات والأرض لآيات لأولي الألباب)، آخر الفرقان (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا)، آخر سورة النحل (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن) الجزء 27 ربما كله مثل سورة الذاريات والقمر والطور والنجم والواقعة والرحمن فهي موسيقية، وربما كل الجزء 29 مثل الملك والقلم والحاقة والمعارج ونوح والجن والمزمل والمدثر والقيامة والدهر أو الإنسان والمرسلات، ولا تنس سورة مريم ربما كلها والقسم الأول من سورة طه، والجزء ثلاثين كله بالتأكيد؛ من سورة النبأ والنازعات وعبس والتكوير والانفطار والمطففين والانشقاق ولا تنس البروج في محنة المؤمنين على مدار التاريخ حرقا وقتلا وغرقا ورميا للضواري وسورة الأعلى والطارق والغاشية والفجر والبلد ختاما بسورة الشرور هكذا أسميها عن الاستعاذة من المؤامرات إذا حبكت وحيكت، والحسود إذا أضمر الشر وبيَّت، والليل وما يحمل من ظلام وكوارث؟ والختام الرائع للقرآن من سورة الناس في معادلة ثلاثية، أن الملك والرب والإله واحد وهو لله تعالى فلا ملك في الأرض ولا رب ولا إله سواه، إلى يوم الدين.
حين شرحت فكرتي لسيدة فاضلة كانت متحمسة للحفظ هزت رأسها ولم أعرف مدى استيعابها.
وهذه إحدى مشاكل حفظ القرآن أي المتشابه، فو الذي نفسي بيده إنه لأشد تفلتا من الإبل من عُقُلها، وراجع آيتي دخول القرية في سورة البقرة والأعراف تعطيك الخبر اليقين؛ فهناك أحد عشر مترادفا، والقوي المتين من أمسك بها؛ تأمل وقارن بين سورتي البقرة والأعراف بالترتيب.
(1+2) وإذ قلنا ... ادخلوا هذه القرية .. وإذ قيل لهم ... اسكنوا هذه القرية..
(3+4) فكلوا منها حيث شئتم رغدا... وكلوا منها .. بدون رغدا
(5) وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة.. وقولوا حطة (مقلوبة الترتيب) وادخلوا الباب سجدا..
(6) نغفر لكم خطاياكم... نغفر لكم خطيآتكم.
(7) وسنزيد المحسنين.. في سورة الأعراف (بدون واو) سنزيد المحسنين.
(8) فبدل الذين ظلموا.. فبدل الذين ظلموا منهم (بإضافة منهم؟)
(9+10) فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا ... فأرسلنا عليهم رجزا من السماء؟
(11) بما كانوا يفسقون... بما كانوا يظلمون.
فهذه هي قصة حفظ القرآن وفهم القرآن، وربما مر العديد من القراء فلم يتفطنوا لهذه الفروق الدقيقة المحيرة والمتعبة جدا في الحفظ، فضلا عن المحافظة..
إنها تذكرني بمادة الجيولوجيا، حين حاولت حفظ خواص المعادن؛ فعييت ولم أتابع، وهي مشكلتي الشخصية مع القرآن ألا يتفلت من صدري، لذا اعتمدت القراءة الدورية له، فإذا ختم أعيد ولا أملّ من الغوص في بحر المعاني لقنص الدرر واللؤلؤ والمرجان.. (فبأي آلاء ربكما تكذبان ...)