روسيا صاحبة اليد العُليا في سورية مقارنة بإيران، والأولى لا هدف لها إلا مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والأخيرة تتعرَّض لضغوط هي الأشد منذ عقود طويلة
تاريخيا، تتسم العلاقات الروسية - الإيرانية بالتأرجح بين العداء والتعاون والتنسيق والتحالف التكتيكي، ولكن العداء التاريخي يظهر سريعا في ردود الأفعال الإيرانية عند أول وأبسط اختبار حقيقي، ويلجأ الإيراني إلى الذاكرة للتعبير عن رأيه في الصديق اللدود الروسي. في الوقت الراهن يتحدث الروس عن وجوب تراجع للقوات الأجنبية في سورية حتى مسافة 70-80 كم من حدودها الجنوبية، ويرى المحلِّلون أنه إذا لم يجد المسؤولون الإيرانيّون حلًّا لهذا الوضع، فبلا شكّ ستكون إيران الخاسر الأكبر في سورية بالنظر إلى ما استثمرته هناك سياسيا واقتصاديا وعسكريا، ومن المحتمل أن نصل لمرحلة تقارب في المستقبل القريب بين بوتين وترمب، وهو الأمر الذي سيترتب عليه بشكل أكيد خروج القوات الإيرانية من سورية.
ويبدو أن تحالف المصالح الإيراني- الروسي على الأراضي السورية أوشك على الانتهاء، إلا أن انعكاسه على العلاقة بين البلدين لا يزال غامضًا، وقد أدَّى الحديث الروسي عن انسحاب القوات الأجنبية من سورية، إلى حالة من الاضطراب بين المسؤولين الإيرانيين، فاتهم بعضهم روسيا بأنها كانت دائمًا ما تنظر إلى علاقاتها مع إيران من وجهة نظر المصلحة الروسية فقط، وأنها كثيرا ما تَخلَّت عن إيران عندما كانت تجد مصلحتها لدى طرف آخَر، وساقوا استدلالا على ذلك ما حدث في أغسطس 1941 عندما وقفت روسيا إلى جانب أميركا وبريطانيا واحتلت شمالي إيران، متهمين روسيا بأنها الآن تكرر القصة وتنكث بعهودها بسبب مصالحها مع إسرائيل.
من ذلك تصريح كمال دهقاني فيروز آبادي، النائب الأول لرئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية البرلمانية، بأنه حتى إذا طلبت جميع الدول ما طلبته روسيا من إيران بأن لا يكون لإيران تَدخُّل في الشؤون الداخلية لسورية، فإن طهران لن تتنحى جانبًا، وسوف تتصدى للدول المعارضة وَفْقًا لبرامجها، لا سيما وأن إيران لم يكُن لها حضور في الأراضي السورية بناءً على طلب الحكومة الروسية، لذلك لن تتراجع أبدًا عن مساعدة سورية وإيجاد الأمن فيها رغم معارضة روسيا.
بل إن دهقاني تَطرَّق إلى اتهام الدول الأوروبية بالسعي لبَثّ الخلاف بين إيران وروسيا، وأن هذه الدول هي المفجِّر الأول للطلب الروسي.
بعض المحلِّلين السياسيين في إيران، مثل أفشار سليماني، محلل الشؤون الدولية والسفير الإيرانيّ الأسبق لدى أذربيجان، تَقمَّص دور العارف بالأمور، وقال إن الطلب الروسي كان متوقَّعًا، معتبرًا التطورات السورية الأخيرة ولقاء رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو مع رئيس روسيا فلاديمير بوتين، وخروج الولايات المتَّحدة من خطة العمل المشتركة الشاملة (الاتِّفاق النووي)، والهجمات الإسرائيلية الأخيرة على مواقع للجيش السوري، هي الإرهاصات الأولى لهذا الموضوع. وفسَّر أفشار سليماني الطلب الروسي بأن الروس يرجحون دائمًا مصالحهم القوميَّة تجاه الموضوعات كافة.
وفي الوقت الذي كانت فيه صواريخ روسيا تعبر بحر قزوين وأجواء إيران لإصابة أهدافها في الداخل السوري، حذّر كثير من المحللين والسفراء الإيرانيّين السابقين مرارًا وتكرارًا من أن هذا لن يعود بالنفع على إيران بشيء، لكن لم يلتفت أحد حينئذ إلى هذه المخاوف، كما حذّروا من وضع البيض كله في السلَّة الروسية، وأكَّدوا ضرورة التحاور مع اللاعبين كافة على الساحة السورية.
توتُّر واضطراب العلاقات بين روسيا وإيران حث على المقارنة بين علاقات إيران مع حلفائها، وعلاقات أميركا مع حلفائها، فصرَّح أفشار سليماني بأن الولايات المتَّحدة على اتصال مع العرب والأوروبيين وإسرائيل بشكل كامل ومرتَّب، وهذا الموضوع يَصدُق بشأن الصين وروسيا على الرغم من الخلافات والصراعات المختلفة على المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والأمنية والعسكرية، لذلك فإن مطالبة موسكو بخروج حلفاء سورية بشكل قاطع، تشير إلى أنه لا يوجد فقط تنسيق واضح بين تل أبيب وموسكو، وإنما يوجد تنسيق مع الولايات المتَّحدة، وتنسيق مع تركيا، وتشير هذه الأوضاع إلى أنهم يسعون لزيادة التكاليف الداخلية والخارجية لإيران، ليتمكنوا من إعمال ضغوط عليها.
وما تخشاه طهران، ونظام الأسد في سورية، وفقا لبعض المحللين الإيرانيين، هو أن روسيا تعرف جيدًا أنها إذا لم تستجب لطلب إسرائيل لزادت أميركا هجماتها على روسيا بلا أدنى شكّ، وأن خروج القوات الحليفة لسورية من جنوبها سيعزِّز احتمالية فتح جبهة أخرى، يمكن أن تحقِّق ضغوطا على بشار الأسد حتى تنحيته، لأنه من غير المستبعَد أن لا يُقِرَّ جميع هؤلاء اللاعبين، إسرائيل وروسيا من جانب، والولايات المتَّحدة وتركيا من جانب آخر، قنوات اتصال معًا لتحقيق أهدافهم، حسب رأي أفشار سليماني.
والواقع، بحسب بعض الشخصيات الإيرانية، أنه قد طُرحَت خطة روسية-إسرائيلية من 6 بنود لحلّ الأزمة السورية: الأول بقاء بشار الأسد في السُّلْطة، والثاني إنهاء الحضور العسكري لإيران وحزب الله في سورية، والثالث إنهاء الهجمات العسكرية الإسرائيلية على سورية، والرابع تثبيت الحضور العسكري لروسيا في سورية، والخامس أنه في حالة الضرورة سيكون مستشارون عسكريون من روسيا والأمم المتَّحدة بجانب الجنود السوريين على الحدود سورية مع إسرائيل، والسادس والأخير أن تُخرِج أميركا قواتها تدريجيًّا من سورية. وبغض النظر عن مدى دقة هذه البنود الستة إلا أنها تكشف مدى إيمان الشخصيات الإيرانية بقرب قلب الجانب الروسي الطاولة في وجه النظام الإيراني حيال الأزمة السورية.
ولم ينعكس الإجراء الروسي على مستوى المسؤولين فقط، بل انعكس بشكل كبير على المستوى الشعبي والإعلامي، فطالبت الصحف الإيرانية المسؤولين بالاستجابة للشعب بالرد على الإجراءات الروسية بنفس الشكل الذي يصرخون فيه أمام المطامع الأميركيَّة والغربية، والاعتراض على تضامنهم مع النِّظام القاتل للأطفال في إسرائيل، والتنفيذ الصحيح لمبدأ «لا شرقية ولا غربية»، والسير على طريق مؤسِّس الجمهورية والعمل بوصيته بدقة، مؤكدةً أن «طبيعة الروس التي تتَّسم بعدم الوفاء تاريخيًّا تتجلى هنا مرة أخرى، لتستمر الخيانة».
العلاقات الإيرانية - الروسية دخلت منحًى جديدًا/قديمًا كثيرًا ما حذّر منه المحللون والسياسيون، بسبب التجارب التاريخية، وفقد الإيرانيون الثقة في الشخصية الروسية، فروسيا صاحبة اليد العُليا في سورية مقارنةً بإيران، والأولى لا هدف لها إلا مصالحها الاقتصادية والسياسية والعسكرية، والأخيرة تتعرَّض لضغوط هي الأشد منذ عقود طويلة، على المستويات العسكرية والاقتصادية، داخليا وخارجيا، وهناك اختلاف في الأهداف الإستراتيجية بين البلدين تجاه سورية، ويبدو أن التحالف البراغماتي بين البلدين بدأ يدخل منعطفًا غامضًا.