لدي قناعة مترسخة بأن المواطن السعودي من حيث التأهيل الأكاديمي والعملي المهني يتجاوز في إمكانياته الكثير من مواطني الدول العربية والخليجية، وهذه القناعة ترسخت عندي من خلال التجربة الطويلة في العمل في القطاع الخاص، والاحتكاك المستمر مع شركات وموظفين عرب وأجانب، تعلموا وتأهلوا من خلال العمل في مؤسساتنا المحلية، وتتلمذوا على أيدي مديرين سعوديين من ذوي الكفاءة والدراية والتأهيل، وهي ذات المؤسسات التي تأهل وتخرج منها شباب سعوديون يقودون اليوم عدداً كبيراً من المؤسسات والشركات داخل المملكة وخارجها، وأصبحوا مضرب المثل في الكفاءة والمهنية والاحترافية.
وامتداداً لهذه القناعة أصبحت أتابع بشكل محايد مواصفات هذا الموظف السعودي، ومحيطه الاجتماعي، وذلك في محاولة لفهم طبيعته، وأفضل الطرق للتعامل معه باعتباره عنصراً أساسياً في العملية الاقتصادية، والمحرك الأول لأية تنمية مأمولة بعيداً عن كل التوصيفات الخاطئة، والتي فيها افتراء كبير عليه من قبيل الكسل والاتكالية والرغبة في الحصول على كل شيء من دون أن يعطي أي شيء، كما يحاول أن يروج له بعض المنتسبين للعمل الخاص، والذين لا يهدفون من ذلك سوى التحرر من توظيف ابن البلد، حيث إنه ليس بمقدورهم التعامل معه كتابع وأجير كما يفعل مع الوافد.
إن كنا نريد أن نعي القيمة الحقيقية للموظف السعودي ومدى تأهيله، فإننا لا نحتاج أكثر من النظر خارج الحدود وباتجاه الدول القريبة وبعض الدول البعيدة لنعي أن السعودي أصبح اليوم كفاءة مطلوبة في جميع الدول، والذي أصبح في الحقيقة رأس المال الحقيقي الذي يجب أن يكون الرهان عليه في الفترة القادمة من خلال الاستثمار فيه بشكل مستمر، ابتداء بالتعليم وهو الأمر الذي نراه من خلال البرامج الحكومية للابتعاث وزيادة المخصصات المالية للجامعات المحلية، ومروراً بخلق الوظائف وإحلالها بالسعوديين، وانتهاء بوضع النظم والقوانين التي تشجع من جهة السعودة الحقيقية وتردع من جهة اللاسعودة.
ظروف وتجارب ومشاكل اقتصادية وسياسية عاشها عدد من الدول العربية خلال العقود الأربعة الماضية، كان لها الأثر الأكبر في تحويل عدد كبير من أبنائها للعمل خارج أوطانهم بحثاً عن الاستقرار والعمل المجزي، إضافة لتجربة الحياة ذات النوعية والتي تسهم في تربية الأبناء في أجواء من الاستقرار والرفاهية، ريثما تتحسن الأمور ويعود من يعود لأرض الوطن ليسهم في عملية البناء والتطوير جنباً إلى جنب مع أبناء بلده، وهي ظروف لا تتشابه أبداً مع ما تعيشه بلادنا من استقرار سياسي وانتعاش اقتصادي، وتوفر كثير من مقومات العيش الكريم والمرفه، والتي تجعل فكرة العمل خارج البلاد بعيدة وربما غير مرغوبة لدى الكثيرين.
سوق العمل المحلي لا بد أن يستوعب في السنوات القادمة العدد الكبير من القوى العاملة من أبناء الوطن، ولا بد لأبناء الوطن أن يتعاملوا مع ظروف العمل وفق متطلبات السوق، وهو الأمر الذي أصبحنا نشاهده بشكل كبير في السنوات الأخيرة، والمتمثل في قبول الشباب والشابات السعوديين بوظائف كانت في الماضي القريب من المحرمات الاجتماعية، وهو أمر يقودني للقول بأنه لن يكون مستغرباً لو بدأنا خلال الفترة القادمة بملاحظة تزايد الطلب على الكفاءات السعودية من الجنسين من دول العالم، خصوصاً في التخصصات التقنية والإدارية، فما يقدمه شبابنا وشاباتنا اليوم من إبداعات وإنجازات على جميع المستويات كفيل بأن يفتح لهم المجال لتصدير خبراتهم للعالم، ليسهموا في بناء حضارات الأمم الأخرى جنبا إلى جنب مع بناء حاضر ومستقبل وطنهم.