اعتدنا عبر السنوات الأخيرة في كل معرض كتاب وكل رمضان اختيار مسلسلات وبرامج معينة أو عناوين كتب محددة لتكون مادة للخصومة تزيد من إشعال الصراع بين التيارين المتضادين في المجتمع، وغالبا من يدفع الثمن هم الوسطيون أصحاب الفطرة. مسلسل «العاصوف» الذي يرصد الرياض في سبعينيات القرن الماضي، قبل التحول الديني الذي شهدته في العقود اللاحقة، هو إحدى ساحات الحرب بين التيارين، في هذا الشهر الكريم؛ ما بين جاحد لأحداث المسلسل ومنكر لها واصف إياها بالمزيفة، وآخر صب جام غضبه على ما تلى تلك الحقبة وما سميت لاحقا بـ«الصحوة» وما خلفته من آثار، نتيجة لتشددها الذي حجب النور عن الحياة في المجتمع. من خلال مشاهدة حلقات المسلسل الذي كتبه الراحل عبدالرحمن الوابلي اتضح أن المشاهد والقصص معظمها من أحداث واقعية ومن روايات شفهية ممن عاصروها، وهذا ما استفز التيار الأول الذي أصر على تزييفها ونشر الرسائل الإلكترونية والفيديوهات التي تحذر من الانجراف خلف العمل وتصديق ما جاء فيه.
 منطقيا في تلك الفترة كان الانغلاق سيد الموقف. فالمنطقة الصغيرة التي يطلق عليها في وقتنا الحالي بالمحافظة كانت في ذلك الوقت تختلف مذهبيا وفقهيا وعاداتها وطباعها عن مثيلاتها الأخرى، وكانت المملكة في تلك الفترة من تاريخها من شمالها إلى الجنوب والبحرين شرقا وغربا مليئة بالمذاهب الإسلامية والفقهية من أتباع الأئمة الأربعة والطوائف المختلفة. فأما منطقة نجد والمناطق الشمالية من السعودية فإن المذهب الغالب هو المذهب السنّي الحنبلي، مع تنوع عشائري يمتد من حدود نجد الجنوبية حتى حدود السعودية شمالا، يضيق أحيانا ويتوسع أحيانا أخرى، حسب توزع العشيرة وامتدادها وتداخلها مع العشائر الأخرى، وكذلك الحال في جنوب غرب السعودية في الباحة وعسير وجازان؛ حيث يغلب المذهب السنّي الشافعي. أما في نجران، فإن الغالب هو المذهب الإسماعيلي مع المذهب السنّي، وإذا ما مالت الوجهة نحو الحجاز، فإن الغالب من المذهب السنّي مع تنوع فقهي في داخلها ما بين الحنفية والشافعية والمالكية، مع وجود طوائف أخرى صغيرة من الشيعة الجعفرية في المدينة، وبعض الفرق الصوفية متوزعة على طول الحجاز مع تعايش بين القبائل من الطائف جنوب الحجاز حتى حدود الحجاز من جهة تبوك شمالا. وبالتالي كان الاختلاف يعم سائر البلاد، ومن هنا وجد الاختلاف الجذري في الطباع والعادات. على سبيل المثال جنوب المملكة، وفي عسير تحديدا كان معظمهم شوافع من أتباع مذهب الإمام الشافعي الذي يرى بجواز كشف وجه المرأة، وكانت النساء في عسير في فترة «العاصوف» يختلطن بالرجال كاشفات الوجه يمارسن حرفهن اليومية من زراعة وجني المحصول ورعي وغيرها، ولم يكن في عسير أي أثر للفصل بين الجنسين أبدا ولا تزال بعض الصور خير شاهد على ذلك. بينما في نجد أتباع المذهب الحنبلي الذي يرى بحرمة كشف الوجه وغيرها من المعتقدات التي تختلف مع بقية المذاهب الفقهية، وبذلك نخلص إلى أن مسلسل العاصوف يقتصر على نقل صورة لنا عن حياة المجتمع في نجد في سبعينيات القرن الماضي فقط، ولم تكن الحياة في سائر البلاد بتلك الصورة.