أشقاؤنا في دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة لديهم عدة مشاريع عملية، غاية في الروعة، وخاصة تلك المتعلقة بأحوال المسلمين، وبشؤون الإسلام المعتدل والمتسامح؛ آخرها وليس بأخيرها، استضافة ورعاية «المؤتمر العالمي للمجتمعات المسلمة»، وسط الأسبوع الماضي، والذي عكس خلال يومين ضافيين، لأكثر من 500 مشارك، من أكثر من 140 دولة، قيمة الاهتمام بأحوال المسلمين في كل مكان، ومكانة المصادقة العملية على الحديث النبوي الصحيح «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وعلى الأثر الشهير «من لم يهتم للمسلمين، أو بأمر المسلمين، فليس منهم»..
في أبوظبي، التي قال عنها راعي المؤتمر معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، إنها «باتت عاصمة التسامح»، ـ وهو محق في ذلك ـ فتحت أبواب إدراك الفرص أمام المجتمعات المسلمة في العالم، كذا الاطلاع عن كثب على التحديات التي تواجههم، والتحرر من فقه قديم، دفع بأهلنا المسلمين في الغرب إلى العيش في جلباب فقهاء، قدموا لهم آراء جميلة، نفعتهم فيما مضى، وعفا عليها الزمن الحاضر، كمصطلح «دار الإسلام ودار الحرب» مثلا، بدليل أن ممارسة المتشبثين بها أفرزت تناميا في ظاهرة «الخوف من الإسلام» وتشويهه، وانغلاق المسلمين، وتصاعد اليمين المتطرف، والخطاب الشعبوي ضدهم..
المسلمون في الغرب يمثلون أكثر من نصف مليار مسلم، أي ثلث إجمالي المسلمين، ويحمل عقلاؤهم هم التمسك بالإسلام الحقيقي الصحيح، وإزالة الصورة المشوهة عنه، وتعزيز الاندماج الإيجابي مع من حولهم، دون التخلي عن هويتهم وقيمهم الإسلامية، ومشاركتهم في تنمية ونهضة المحاضن التي ينتمون إليها، وهم في نفس الوقت في حاجة ماسة، ومنذ مدد طويلة، إلى كيان قانوني مؤسسي يمثلهم ويدعمهم، ويلبي طلباتهم، ويذلل الصعوبات التي تعترضهم؛ وكان لهم ما أرادوه بالفعل.
أكثر ما أفرح الخاطر، تأسيس «المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة»، وإصدار «الميثاق العالمي للمجتمعات المسلمة في المجتمعات غير المسلمة»، بعد إحساس كبير بواجب معالجة التحديات الفكرية التي تواجه المسلمين في الغرب، وتغلغل المغالين والمتطرفين فيهم، وشعور كبير بأهمية تحقيق مطالب كثيرة، في مقدمتها التكامل مع الآخر، واستيعاب وقبول ثقافاتهم، وإعادة منهجية النظر في وجود المسلمين هناك، والانتقال من «فقه الضرورة» إلى «فقه المواطنة»، وتحسين إدارة التنوع والتعدد، وتصحيح المفاهيم المغلوطة، والمصطلحات السلبية، وتحصين العقول من أفكار قديمة، باتت تهدد كل ما يدعو إلى تعارف الناس مع بعضها، وتجعلهم محبوسين في الشعور بالغربة، أو عدم الانتماء لهوياتهم التي يحملونها، أو الوحدة التي ينبغي أن يكونوا عليها، وهذا الأمر تحديدا لا يطيقه الغرب، الذي يكره الازدواجية في مثل هذه الأمور..
أخيرا، أملي كبير في أن تخرجنا هذه المبادرة الإماراتية الرائدة من التنظير إلى دائرة العمل الحقيقي، وأن تعم السكينة بين المسلمين، وأن يسهم إعلاميو الغرب وسياسيوهم في تصحيح صورة المسلمين، وأن يفرقوا بين الإرهابيين، وبين المسلمين، وأن يتخلوا عن أي دور سلبي ساهم أو يساهم في تشويه المسلمين.