نحن الآن أمام واقع جديد يرسم بداية فصل من تاريخ منطقة الشرق الأوسط، وربما العالم، فترمب وضع الدول الكبرى أمام خيارات محدودة في التعاطي مع النظام الحاكم في طهران
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب موقفه من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة «5+1». وقد جاء هذا الإعلان مطابقا لوعوده التي قطعها على نفسه منذ حملته الانتخابية قبل نحو عامين.
مساء الثلاثاء حوّل ترمب وعوده إلى حقيقة، وأعلن الانسحاب من الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات على طهران.
وذكر في خطابه أن «النظام الإيراني يشعل الصراعات في الشرق الأوسط ويدعم المنظمات الإرهابية، مشيرا إلى أن الاتفاق النووي سمح لإيران بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم، وأن النظام الإيراني موّل الفوضى، واعتدى على جنودنا، والاتفاق النووي كان يفترض حماية أميركا وحلفائها»، وشدد ترمب على أن النظام الإيراني «يرعى الإرهاب ويغذي النزاعات في الشرق الأوسط، واستفاد من مليارات الدولارات، ولدينا أدلة دامغة تثبت نية النظام الحصول على أسلحة نووية».
وأخيرا قال ترمب، إن «إيران لم تفعل شيئا أخطر من السعي للحصول على أسلحة نووية، وإبقاء الاتفاق النووي سيؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة».
نحن الآن أمام واقع جديد يرسم بداية فصل من تاريخ منطقة الشرق الأوسط وربما العالم. فترمب وضع الدول الكبرى أمام خيارات محدودة في التعاطي مع النظام الحاكم في طهران، وبالتالي يضيّق أيضا الخناق على نظام الملالي، ويجعله يحسب خطواته القادمة بعناية تامة، ويعمل على تغيير إستراتيجيته في التعاطي مع واشنطن بإدارتها الجديدة بشكل مختلف وربما متناقض تماما مع الأسلوب الذي اعتاد عليه طوال فترة رئاسة باراك أوباما وفريق عمله.
الآن، أدركت طهران جيدا أن أسلوب التهديد والوعيد الذي كانت تنتهجه لإرباك المشهد لم يعد يجدي نفعا، وعليها مسايرة الأمر والسعي للوصول إلى حلول تقود إلى تهدئة الأوضاع وعدم اللجوء إلى أسلوب الاستفزاز.
النظام الإيراني الآن يسعى إلى المراهنة على الموقف الأوروبي من قرار ترمب، ويحاول البقاء في الاتفاق، وقد يعيد تفعيل بعض أنشطة المفاعلات النووية الإيرانية، لكن -كما ذكرتُ في مقالي الأسبوع الماضي- أن الموقف الأميركي سيحول دون دخول الشركات الأجنبية، خاصة الأوروبية، إلى السوق الإيرانية، حتى وإن أكدت الأنظمة السياسية في تلك الدول التزامها بالاتفاق النووي، وتطبيق الاتفاقيات التي أبرمتها مع طهران.
بالتالي، ستكون الفترة القادمة مرحلة اختبار لجميع الأطراف، لكن الاختبار الأساسي سيكون للموقف الأميركي من الشركات الأجنبية التي تتعامل مع إيران، فإذا تم وضع ولو بضع شركات على قائمة العقوبات، فقد يكون ذلك رادعا قويا ومؤشرا حازما تجاه بقية الشركات.
في المجمل نحن مقبلون على مرحلة رصد ومراقبة واختبار أيضا، مرحلة يكون عنوانها الحذر وعدم المجازفة، وتجنب الأعمال الاستفزازية، وسياسة فرض الأمر الواقع، ومهما أطلقت طهران من تصريحات عنترية، فإنها ستأخذ أي تهديد أميركي بجدية أكثر من أي وقت صعب. أيضا أي قرارات من طهران بإعادة تفعيل مواقعها النووية بطاقتها التي كانت عليها قبل الاتفاق النووي، سيكون اختبارا حقيقيا للإدارة الأميركية، وآلية الرد على ذلك.