في «أميركا ترمب» لا بد من استيعاب أن كل الحوارات لها وجهان وكل القضايا الداخلية منها والدولية تسيس وتحلحل وفق الانتماء الحزبي
هناك اتجاه في أميركا خصوصا لدى اليسار يرى أن السياسات التي ينتهجها الرئيس ترمب في إدارته للعديد من الملفات الداخلية والدولية يمكن وصفها بأنها تتجه نحو الفاشية إن لم تكن بالفعل وصلت لها، وهذا الرأي بطبيعة الحال فيه شيء من التطرف الحاد كما يقول البعض، خصوصا وأنه يأتي من خصوم الرئيس الذين لديهم مهمة مقدسة كما يبدو في شيطنته وقتله سياسيا، وذلك لكي لا يجدد له لفترة رئاسية ثانية، وقبل ذلك التسبب في خسارة الجمهوريين في الانتخابات النصفية القادمة في شهر نوفمبر.
مؤخرا صدر كتاب جديد احتل المركز الأول ضمن أفضل الكتب مبيعا وفق قائمة «نيويورك تايمز» لوزيرة خارجية الولايات المتحدة السابقة «مادلين أولبرايت» حمل اسم Fascism: A Warning أو «الفاشية: تحذير» والتي حاولت فيه تقديم رؤى شخصية للفاشية في القرن العشرين وكيف يشكل إرثها عالم اليوم، خصوصا مع ما عرف به القرن العشرين من صدام بين الديمقراطية والفاشية، وهو الصراع الذي خلق في حينه حالة من التخوف والتشكك بشأن إمكانية بقاء الحرية كحق إنساني.
تقول أولبرايت «إن البعض قد يطلق وصف فاشي على أي إنسان يختلف معه وذلك من وجهة نظري جنون» فالفاشي والقول لي هنا يجب أن يوصف بشكل يكون سهلا تحديده وكشفه لكي لا يفهم في خضم الماكينات الموجه أنه بطل أو قائد همام، فالتاريخ أثبت لنا أن الشعوب تاهت ليس لأنها أجبرت على أن تتوه بالضرورة، بل لأنها فقدت بوصلة تسمية الأمور بمسمياتها وآثرت أن تمضي ضمن الجموع تردد ما يقوله القائلون، إما تجنبا للإبعاد أو حبا في الانتماء.
الفاشي هو كل إنسان يدعي أنه يتحدث نيابة عن المجتمع أو عن جماعة معينة، كما تقول أولبرايت، وهو من وجهة نظرها لا يبالي لحقوق الغير ومستعد لاستخدام العنف بكافة أشكاله الجسدية واللفظية والنفسية أو أي وسيلة أخرى لتحقيق هدفه، بالمختصر الفاشي هو متنمر بيده قوة.
مؤشرات الخطر لوجود فاشية كما ترى أولبرايت تكمن في تزايد نظرة الإعجاب بالقومية وبشكل مفرط، حيث تزدهر النظرة الفوقية التصادمية «نحن مقابل هم»، مع ازدهار الفكر التنظيمي المعادي للآخر والذي يأخذ أشكالا مختلفة بما فيها تنظيم الحملات المعادية التي تستهدف أشخاصا أو كيانات أو دولا، كل ذلك في أجواء ملبدة بالدعاية المسيسة أو البروباغندا الموجهة وبشكل لافت، في مسعى إلى خلق حقيقة جديدة قد لا تكون مطابقة للحقيقة ذاتها.
حديث مادلين أولبرايت عن الفاشية اليوم لم يكن ليكون ذا شعبية كبيرة كما هو الحال اليوم ما لم يكن مرتبطا بما يروج له الرئيس ترمب في خطاباته الجماهيرية والانتخابية قبل ذلك وتصريحاته الإعلامية، فشعار ترمب الذي يستخدمه بشكل كبير «أميركا أولا» يعتمد كما تقول أولبرايت على عقلية تعود للثلاثينات من القرن الماضي حيث كانت الولايات المتحدة تهتم فقط بنفسها وكانت منعزلة عن العالم وهمومه، وهي الحالة التي أدت لتفاقم الأزمات دوليا ونتج عنها حرب عالمية دمرت شعوبا وقتلت ملايين البشر.
في «أميركا ترمب» لابد من استيعاب أن كل الحوارات لها وجهان وكل القضايا الداخلية منها والدولية تسيس وتحلحل وفق الانتماء الحزبي، فاليسار يرى أن ترمب ضعيف، لكنه يحاكي شخصية الرجل القوي من خلال هجومه الدائم على الإعلام واستهداف المهاجرين، بينما اليمين يرى أن اليسار الليبرالي يقمع أي إنسان يخالف آراءه من مسألة التشكيك بحقيقة التغير المناخي وصولا للقضايا التي تدور حول الهوية الجندرية.
إذاً هل ترمب فاشي؟ تجيب أولبرايت بالقول «دعوني أكون واضحة؛ أنا لا أقول إن الرئيس ترمب فاشي، أنا فقط قلقة من انعدام غريزة الديمقراطية وازدرائه للإعلام والنظام القضائي وللعملية الانتخابية.