المكان في قلب لندن، الزمان الساعة الرابعة عصرًا من يوم السبت الموافق 30 نوفمبر 2020، كنت جالسًا في بهو أحد الفنادق متوسطة النجوم، أنتظر «ديفيد» رجل الأعمال للاجتماع به حول شراكة تجارية، كان اللقاء الأول، حضر؛ وبعد التحية والمجاملات المعتادة في مثل هذه الاجتماعات -سألني: من أين أنت؟ من حائل. قال: حائل قرأت عنها الكثير وحسب علمي تعتبر من أفضل 100 مدينة عالمية للعيش، وشدني كثيرًا جودة البنية التحتية للمدينة، حقيقة أتمنى زيارتها وزيارة متحفها الافتراضي الفريد من نوعه عالميًا. ثم سأل مرة أخرى: من أي جامعة تخرجت؟ من جامعة الملك عبد العزيز. قال: جامعة عريقة وحسب علمي تعتبر من أفضل الجامعات العالمية، عندما تخرج ابني مايكل من الثانوية بحثنا عن أفضل الجامعات العالمية لرغبتنا أن يدرس خارج بريطانيا، ويتعرف على ثقافات مختلفة أثناء دراسته الجامعية، وأثناء بحثنا كانت جامعة الملك عبد العزيز في قائمة الجامعات العالمية بلا شك، ولكن لظروف العائلة تغير المسار، وأكمل ابني دراسته هنا في لندن، ولكن حقيقة البحث قادتني إلى اكتشاف مدينة جدة وأعجبتني جدًّا جزيرة الفنون والثقافة، وكذلك المدينة المائية، والمتاحف، والمسارح التي تحتويها تلك المدينة الساحلية الساحرة. راودتني حالة من الشموخ.. ومارست عملياً أرفع رأسك أنت سعودي! وقلت له: حياك الله «ديفيد» ضيفًا عزيزًا في السعودية فهي دار الكرم والجود. ردَّ صاحبنا بالإيجاب؛ وقال: أريد أن أزوركم في بداية الشتاء القادم لحرصي على زيارة المواقع التراثية السبعة المدرجة في قائمة اليونيسكو لمعرفة البُعد الحضاري والإنساني للسعودية التي تعتبر اليوم رقمًا صعبًا في الاقتصاد العالمي، وهي ضمن منظمة أوبك ومجموعة العشرين.
ارتشف صاحبنا ما تبقى من فنجال قهوته وقال: حقيقة لدي سؤال كبير! بين الأمس واليوم تحولت السعودية وأصبحت دولة عصرية سبقت الكثير من الدول في العديد من المجالات الاستثمارية، والاقتصادية، والثقافية، والترفيهية، والرياضية... ما خلطتكم السرية لهذا النجاح؟!
بسم الله نبدأ؛ في 25 أبريل 2016 أعلنت الحكومة السعودية عن رؤية المملكة 2 بطموحات تلامس عنان السماء؛ كما قال مهندس الرؤية وبانيها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وتهدف الرؤية إلى تحرير اقتصاد السعودية من الاعتماد الكبير على النفط، وترتكز الرؤية على ثلاثة محاور رئيسة: مجتمع حيوي، اقتصاد مزدهر، وطن طموح. وأطلقت العديد من البرامج والمبادرات التي تحقق هذه الرؤية المباركة، ولعلي أستعرض برنامج جودة الحياة 2020 الذي ذكرت نتائجه الملموسة في حديثك قبل قليل؛ حيث وصل إجمالي الإنفاق على البرنامج 34,6 مليار دولار، ويهدف البرنامج إلى تحسين نمط حياة المواطنين والمقيمين، وتحسين البنية التحتية، وتطوير كافة القطاعات من أجل رفاهية المواطن وتحقيق سعادته ورضاه، وخلق البرنامج 346 ألف وظيفة في القطاع الخاص، وحقق البرنامج فرصًا استثماريةً وصلت إلى 7,7 مليارات ريال، ومن خلال البرنامج تمت تغطية معظم مساحات السعودية بشبكة خدمات رقمية عالية الجودة، وكذلك وصلت ثلاث جامعات سعودية إلى قائمة أفضل الجامعات العالمية، وثلاث مدن إلى قائمة أفضل 100 مدينة للعيش في العالم، وإدراج 7 مواقع تراثية في منظمة اليونسكو، ونفذ البرنامج مئات المبادرات النوعية والتي نلمس نتائجها حاليا في حياتنا اليومية التي أصبحت الجودة عنوانها العريض ومصدر إلهامها. قاطعني صاحبنا بالسؤال: جميل هذا البرنامج... ولكن ماذا لو لم ينجح تنفيذ هذا البرنامج؟ قلت: البرنامج نجح وانتهى وقضي الأمر، وأنت تسأل لدهشتك من نتائجه الفريدة. ولكن لو لم ينجح! هناك إدارة الحزم والعزم قادرة على معاقبة المسؤولين التنفيذيين لهذه البرامج إذا حصل تقصير لا قدر الله، وكذلك هناك الهيئات الرقابية والإشرافية لمراحل أي مشروع بأساليب علمية مدروسة؛ مرحلةً مرحلةً، وهدفًا هدفًا... تستفيد من مكتسبات الماضي بروح العصر والحاضر للانطلاق نحو المستقبل المنشود...