الصدقة وإفطار الصائم إذا كان عن طريق جهات موثوقة كالجمعيات الخيرية، عمل صالح، وتأليف القلوب حتى لغير المسلمين يعد من محاسن الإسلام، ومن الدعوة لدخول الإسلام

كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يبشر أصحابه بقدوم رمضان فيقول: (أتاكم رمضان شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب السماء، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم)، «رواه النسائي وأحمد وصححه الألباني»، هذا الشهر الكريم فيه تفتح أبواب الجنان، وتغلق فيه أبواب النيران، ويصفد فيه الشياطين، كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة، وغلقت أبواب النار، وصفدت الشياطين»، العمرة فيه تعدل حجة، من قام فيه مع الإمام للصلاة حتى ينصرف كتب له قيام ليلة، ولهذا ينشط فيه أهل الإسلام، ويقبلون فيه على الخير والصلاة وتلاوة القرآن والصدقات أكثر مما كانوا عليه من قبل، يفعلون ذلك اغتناما لمواسم الخيرات، وتعرضا لنفحات خالق الأرض والسموات، وهم مثابون على ذلك، زادهم الله توفيقا ونشاطا في الخير.
إلا أنه من الملاحظ أن بعض الناس -هداهم الله- عند دخول شهر الصيام يحدثون جلبة وتشكيكا وتثبيطا ومن ذلك:
1- التشكيك في دخول شهر رمضان وخروجه، فيشغلون أنفسهم وغيرهم بـ«جدليات»، لا طائل منها، مع أنهم كفوا المؤنة، فالدولة -وفقها الله- تكفلت بهذه المهمة، أي: «التثبت من دخول الشهر ومن ثم الإعلان عن ذلك»، وطلبت ممن رأى الهلال أن يخبر المحكمة للنظر بشهادته، لكن بعض الناس يحب لفت الأنظار لنفسه، ويحب الإثارة، فلا يذهب بشهادته إلى المحكمة، وينتظر قرار ولي الأمر، وإنما يعمد إلى وسائل التواصل والمجالس، والصحف، فيحدث صخبا وضجيجا، وإثارة وتشكيكا، مدعيا أنه من أهلك الفلك، ويخالفه آخرون من أهلك الفلك كذلك، وهذا الصخب والضجيج، أمر يكررونه كل عام، ومعلوم أن الله علق دخول الشهر بالرؤية، سواء كان الرائي بدويا مع غنمه، أو عالما في بلده، فإن لم يره أحد أكملوا العدة ثلاثين، وهذا أمر يسير، وهو من سماحة الإسلام، فالله تعالى رفع عن هذه الأمة التكلف والآصار والأغلال والتشدد، وجعل الشريعة وأحكامها سهلة ميسورة لكل أحد، وصالحة لكل زمان ومكان.
2- يكثر المصلون في رمضان، لا سيما وقت صلاة الفجر، وهذا أمر يشرح الصدر، ويدل على إقبال الناس على الخير، وتفرغهم له، لكن بعض الناس يسيء ويثبط، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، فتجده يوبخ الناس، فيقول: أين أنتم في غير رمضان، بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان... إلخ، فيا سبحان الله: من قال له إنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان؟ ألا يعلم أنه في رمضان تتجمع الأسر، ويتخفف الناس من بعض أعمالهم، وكثير من التزاماتهم، فيكونون موجودين في بيوتهم، فيكثرون حينئذ في المساجد، وإلا فهم يؤدون العبادة في كل وقت، في سفرهم وأعمالهم وإقامتهم، فكيف يحكم أنهم لا يعرفون الله إلا في رمضان؟ ثم لو لم يمتلئ المسجد بالمصلين هل يرتاح حينئذ، ويوفر موعظته السامجة المكررة كل عام.
وذات مرة كان كبار السن في المسجد يصلون الفجر، وبعد الصلاة قفز شاب متحمس أمامهم فأمطرهم بوابل من التوبيخ، يقول لهم: أين الشباب، لماذا لا يصلون، يسهرون...الخ ؟ فرد عليه أحد كبار السن قائلا: نحن صلينا لا تهاوشنا وترفع صوتك علينا، اذهب إليهم وهاوشهم.
3- الصدقة وإفطار الصائم إذا كان عن طريق جهات موثوقة كالجمعيات الخيرية، عمل صالح، لكن المشككين والمثبطين ينهون عن المعروف، سمعت أحدهم يقول هؤلاء العمال الذين تفطرونهم لا يصلون، وليس فيهم أجر، وهذا من جهله: أولا الحكم عليهم بعدم الصلاة فيه جرأة، وما يدريه أنهم لا يصلون؟ ربما أنهم يصلون في مسجد آخر، أو في مقر عملهم، أو حتى في بيوتهم، ثم لو فرض أنهم لا يصلون، فما الدليل أنه لا أجر في إطعامهم، إن إطعام الكلب فيه أجر، وقد غفر الله لبغي لأنها سقت كلبا، فكيف بالإنسان، ألا يعلم أنه في كل كبد رطبة أجر، كما ذكر ذلك رسول الله، عليه الصلاة والسلام، وتأليف القلوب حتى لغير المسلمين يعد من محاسن الإسلام، ومن الدعوة لدخول الإسلام.
4- الصلاة في التراويح، سواء كانت إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة أو عشرين ركعة أو أقل أو أكثر، كله خير، وصلاة الليل مثنى مثنى، وبعض المثبطين ينهى عن الزيادة عن إحدى عشرة ركعة، وهو بهذا يزعم أنه متبع للسنة، والسنة لم تنه عن الزيادة، بل كما تقدم صلاة الليل مثنى مثنى، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي أربع ركعات، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعا فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثا، والاقتداء كما يكون بعدد الركعات، يكون بالكيفية كذلك، ومن لم يستطع الإطالة والقراءة بركعات محدودة، فلا بأس أن يزيد عدد الركعات، والأمر في هذا واسع، ولا ينبغي لمسلم أن يحجر واسعا.