ما تزال دول العالم كافة تحاول استكشاف أفضل الطرق وأنجع الإستراتيجيات للتعامل مع تطورات الإعلام المتسارعة، بما في ذلك ظهور مواقع الإنترنت التي توفر خدمات فيديو عند الطلب، كما هو الحال في «نيتفلكس» و«ايتونز»، وغيرهما.
من التشريعات الجديدة التي اقترحها مجلس الاتحاد الأوروبي، هو فرض نسبة لا تقل عن 30% لإنتاج وعرض محتويات مصنوعة في أوروبا تلتزم بها هذه المواقع، وإلا تواجه خطر المنع والإيقاف. تساعد مثل هذه القوانين على تطوير صناعة التلفاز المحلية والسينما والراديو، وجعلها أقل ضعفا تجاه المحتويات القادمة من الخارج.
الجدير بالذكر، أنه ربما قد يظن البعض أن فرض نسبة 30% للمحتوى المحلي أمرٌ جدلي أو تعدٍّ على صانعي المحتوى، لكن هذا النوع من التشريعات أثبت نجاحه في بريطانيا،
إذ أصدرت الـ«بي بي سي» قبل سنوات التزامها بنسب تراوح بين 40 و50% للمحتوى المحلي، وكان ذلك بداية عن طريق حظر وإيقاف الاستيرادات الأميركية للتلفاز البريطاني.
اليوم، وفقا لمجلس الاتصال البريطاني، فإن 75% من محتويات تلفزيون الـ«بي بي سي» محلية، بريطانية الصنع، بل و95% من البرامج المعروضة في أوقات الذروة الجماهيرية محلية الصنع أي بريطانية. وبالتالي، يمكن أن تنجح تشريعات تنظيم ورقابة المحتوى المحلي والأجنبي، وهناك نماذج نجحت مسبقا في عدد من دول العالم، وأظننا قادرون على تحقيق ذلك، خصوصا مع قرار وزارة الثقافة والإعلام، مؤخرا، بسد الطريق أمام المسلسلات التركية الطويلة التي لم تكن تخلو منها أي قناة تلفزيونية خليجية وسعودية تحديدا.
لكن فرض نسبة معينة على الشركات الإعلامية المحلية والأجنبية ليست أمرا محصورا فقط على المحتوى، فهناك أيضا عامل بشري داخل المعادلة.
مثلا، تتضمن التشريعات المعنية بالمحتوى المصنوع في السعودية بنودا خاصة بتوظيف واستقطاب مواطنين سعوديين. وهذا البند يشمل تفاصيل أكثر دقة مثل التأكد من أن السعوديين المضمنين مقسمون على الجنسين الذكر والأنثى، وأنهم آتون من كل مناطق السعودية، وينتمون إلى أعراق مختلفة، وفيهم نسبة من ذوي الاحتياجات الخاصة، والحذر من الاكتفاء بسعوديين ذكور من منطقة واحدة وعرق واحد، بل إن النجاح في الصناعة الإعلامية المحلية تتطلب تنوعا كبيرا في المحتوى المحلي، لأن ذلك يجعل منه أكثر نجاحا وجذبا للمتلقيين باختلاف خلفياتهم وأبعادهم ومرجعياتهم.
يجدر الذكر إلى أن نقطة التنوع السعودي ليست بذات أهمية، عندما يكون المعروض مستوى مستوردا مصنوعا في مكان آخر ويراد له جمهور آخرون، أما الصناعة المحلية فلها تلقٍّ يختلف عن تلقي المحتوى الأجنبي.
والعامل البشري مهم في إنجاح صناعة المحتوى المحلي، ليس ظاهريا على الشاشة فحسب، بل يتضمن إنتاج المحتوى المحلي، إذ يتم فرض نسب معينة على الشركات والمؤسسات الإعلامية بتوظيف سعوديين وسعوديات أو تدريبهم، أو إتاحة الفرصة لهم للتطوع.
باختصار، بالنظر سريعا إلى التجربة البريطانية والأوروبية في هذا السياق، يمكن القول إن إنجاح صناعة المحتوى السعودي في عصر «نيتفلكس» وغيره من مواقع الإنترنت، يتطلب فرض تشريعات تعنى بتنويع المحتوى، والظاهرين فيه، والعاملين عليه، بشكل يضمن أعلى مستوى من التنوع بين المحلي باختلافاته وتعددياته في جهة، والأجنبي في جهة أخرى.
وتبقى عوامل مدى قوة السوق، وتنافسيته، وملاءته المالية حاضرة، لكن بشكل ثقافي، فإن هذه هي أبرز النقاط المذكورة في ملف مجلس الاتصال البريطاني حول التنوع في شاشات الـ«بي بي سي»، ومدى ارتباط ذلك بنجاح المحتوى الإعلامي محلي الصنع.