بوضوح يمكننا اليوم أن نرى تغيراً في سياسة المجتمع الدولي تجاه إيران وميليشياتها في المنطقة العربية، ورفض الواقع الذي درجت عليه الحال خلال السنوات السابقة.

بعد الاعتداء الإرهابي لنظام بشار الأسد على المدنيين الأبرياء في مدينة دوما بالكيماوي وسقوط عشرات بين قتلى وجرحى، اتخذ أصحاب النفوذ والقوى في العالم قرارهم بضرب الأسد عسكريا، وحركوا البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا، ولكن الضربة العسكرية لم تكن وحدها الحدث، بل ما حصل قبلها بأيام حينما استهدفت إسرائيل ولأول مرة القوات الإيرانية في قاعدة T4 وسقط للنظام الإيراني عدد من القتلى، واتبعته جهات لم يتم الإعلان عنها بقصف أكبر مخازن وتواجد للميليشيات الإيرانية في ريف حلب الجنوبي، فتسببت بدمار كبير وخسائر بشرية، إضافة إلى الخسائر في العتاد والسلاح المخزن.
بوضوح يمكننا اليوم أن نرى تغيراً في سياسة المجتمع الدولي تجاه إيران وميليشياتها في المنطقة العربية، ورفض الواقع الذي درجت عليه الحال خلال السنوات السابقة.
إن المتابع للأحداث اليوم يستطيع وبشكل واضح أن يلمس التغيرات التي أحدثتها الضربة على سورية وما سيليها من عمليات عسكرية لردع النظام وحليفته إيران وميليشياتها الإرهابية التي وصلت إلى سورية بهدف تمزيق هذا البلد وقتل شعبه وتهجيرهم، والاستيلاء على بلداتهم ومقدراتهم، وتحقيق مشروع إيران في التمدد داخل عواصم عربية على حساب علاقات هذه العواصم بمحيطها العربي، ولهذا المشروع اليوم عدة أوجه، أحدها عسكري والثاني سياسي، ففي سورية استخدمت إيران الوجه العسكري للتمدد والسيطرة عليها، أما في لبنان فاستخدمت الوجه السياسي وبدأت بالتعاون مع حزب الله - جنبلاط تشكيل تحالفات بدأت قبل 13 سنة «نبيه بري - حسن نصرالله - وليد جنبلاط»، وانتهت اليوم إلى تحالف يضم حسن نصرالله - وليد جنبلاط - نبيه بري - وميشال عون، وبهذه التحالفات وتحت شعارات العيش المشترك والوحدة الوطنية والنأي بالنفس تمدد حزب الله وسيطر داخل مؤسسات الدولة اللبنانية، وبمساعدة حلفائه المقربين ومن يعتبرون خصوما في العلن وهم حلفاء الحلفاء، وأكثر من يستفيد من سياساتهم الداخلية وبسبب سياسات هؤلاء فقط لم يبق من سيادة وحرية واستقلال لبنان شيء، إضافة إلى الزيادة الملحوظة بحجم الفساد والدين العام الذي أوصل الدولة ونظامها إلى حافة الهاوية، وزاد من خطر إفلاس الدولة اللبنانية التي استغرب أحد المشاركين في مؤتمر سيدر قبل أيام في فرنسا كيف وصل المشاركون اللبنانيون إلى المؤتمر بطائرات خاصة، بينما وصل من سيقدم لهم المال بطيران تجاري وفي الدرجات السياحية.
إذاً، وباختصار شديد هذا هو المشروع الإيراني للبنان والعالم العربي، ففي اليمن تسببت ميليشيات إيران في دمار شديد وتهاوٍ للاقتصاد وشلل العجلة الاقتصادية لليمن بسبب سياساتهم التي ترسمها لهم إيران، والساعية إلى تدمير كل ما هو عربي بأي ثمن، وفي لبنان يحدث ذات الشيء بصور مختلفة، وكذلك في العراق وسورية، ولهذا زادت عمليات المقارنة بين زمن كانت فيه دول عربية صاحبة اليد الطولى في تلك البلاد وحجم الأعمار والخير الذي أغرق شعوب هذه الدول، وبين الزمن الذي وضعت فيه إيران يدها على تلك الدول فأغرقتها بالنفايات والقتل والدمار والأمراض والجوع والفقر، وجعلتها بلا سيادة ولا قرار، بل حولت فيها الشباب من الطائفة الشيعية ولأنهم عرب فقط إلى مرتزقة لا يزيد سعر الفرد منهم على 600 دولار تستخدمه جمهورية ولاية الفقيه في مشاريعها الخبيثة التوسعية الطائفية في المنطقة والعالم.
اليوم وبعد سنوات من المعاناة مع هذا المشروع نرى تغيرا واضحا في سياسة التعاطي مع جمهورية الشر الخامنئية، ويقترب الموعد المحدد لتعديل الاتفاق النووي مع إيران وزيادة الضغط عليها وعلى ميليشياتها في المنطقة، وتحديدا سورية واليمن ولبنان والعراق، ويضاف إلى كل ذلك التحركات الدولية الصارمة عسكريا في استهداف كل ما هو إيراني أو حليف لإيران على الأراضي السورية، مما تسبب بحالة من الصدمة لدى محور ما يسمى بالمقاومة والممانعة، حيث زاد تساؤل جمهورهم عن سبب عدم رد إيران على كل الهجمات التي أصابتها في سورية، وقبلها حزب الله الذي خسر كبار قادته على الأرض السورية، وبيد إسرائيلية أحيانا، وهو ما أظهر حقيقة هؤلاء أنهم «أوهن من بيت العنكبوت»، وأن كل هذه العنتريات أمام جماهيرهم في السابق بنيت على نفاق ووهم، وأنه عندما دقت ساعة الحقيقة وبدأ المجتمع الدولي بالتحرك لمواجهتهم واستهدافهم لم يجرؤوا على التفكير حتى بالرد، خوفا من النتيجة التي يعرفون مسبقا أنها ستصيبهم، بسبب علمهم المسبق أن روسيا لن تسكت على أي تحرك يفكرون بالقيام به ويستهدف إسرائيل، وهذا ما زاد من حجم التوتر بين إيران والأسد من جهة وروسيا من جهة أخرى مؤخرا.
النتيجة الأهم بعد كل ما تحدثنا عنه هو أن إيران وميليشياتها في سورية واليمن يُستنزفون بشكل سريع اليوم، ووصولهم إلى الهاوية أصبح مسألة وقت، والأحداث على الأرض تشهد وهي أكبر دليل، شكرا لأصحاب الأيادي البيضاء، ولا تعتقدون أن الضربات العسكرية التي حصلت قبل يومين عابرة، بل هي البداية فقط، والآتي سيكون أكبر وأشد تأثيرا.