الذي يدعو إلى المصالحة اليوم مع المتعاطفين مع الإخوان، قد يدعونا، لاحقا، إلى الحوار مع قيادات الجماعات الإرهابية، وربما إطلاق الجناة الملوثة أيديهم بالإرهاب

لم أشاهد هجوما شرسا ضد جماعة الإخوان الإرهابية، مثل ما شاهدته هذا الأسبوع في أميركا والسعودية ومصر، على المستوى الشعبي والرسمي.
في أميركا، يعلنها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، أمام الأميركان على صفحات مجلتهم العريقة «التايم» بقوله: «لو نظرت إلى أي إرهابي فستجد أنه كان من الإخوان»، واستشهد بابن لادن والبغدادي، وغيرهما.
اللافت أن سموه -ومن القارة الأميركية- يوجه رسالة إلى القارة الأوروبية في اللقاء نفسه فيقول «إن هدف الإخوان يتمثل في جعل المجتمعات الإسلامية في أوروبا متطرفة، ويأملون بأن تصبح أوروبا قارة إخوانية بعد 30 عاما، وهذا سيشكل خطرا أكبر بكثير من الحرب الباردة، ومن تنظيم الدولة الإسلامية، ومن القاعدة…».
وفي أرض الكنانة، اشتعل الإعلام المصري وثارت حفيظة الشعب المصري، حين أطلق أحد كبار الإعلاميين المصريين دعوته إلى المصالحة مع المتعاطفين مع الجماعة المحظورة في مصر.
يلاحظ أن حديث المصالحة هذا ليس بجديد، بل هو حديث يتجدد، كلما حققت القوات المصرية نجاحات كبيرة في استئصال جذور الإرهاب في سيناء وغيرها.
بيد أن هذه الدعوة، قابلها ويقابلها الشعب المصري بالرفض التام، والمنسجم مع الموقف الرسمي للدولة، وكأن الشعب المصري يؤكد ما قاله الرئيس السيسي في حواره مع قناة «فرانس 24»: إن أي مصالحة مع الإخوان لا يمكن أن تتم إلا بقرار من الشعب، وليس بقرار من الرئيس.
السؤال هنا: هو كيف ستتعامل مصر أو أي دولة أخرى مع من يتعاطف مع الإرهابيين؟
لا سيما أن هذا المتعاطف لن يكتفي بالمشاعر الحبية للمجرمين، بل سيدعم ويتستر على تلك الخلايا المجرمة التى تحمل السلاح ضد الشعب نفسه ورجال الأمن، وتزرع القنابل في الشوارع والميادين، بل وفي دور العبادة؟
وهل المتعاطف سيكتفي بالدعوات للمجرم بالهداية والرجوع إلى الحق، أم سيقدم لهم الدعم اللوجستي كالمأكل والمشرب والتطبيب ووسائل الاتصال، ويكتنفهم بعواطفه الجياشة، خلال المأوى الآمن البعيد عن أنظار أمن الدولة؟.
وكيف يكون هناك تعاطف مع مجرم قاتل لا يرى في عنقه بيعة ولا ولاء للوطن؟ فهو، على هذا المعتقد الفاسد، يمد يده للأعداء ضد مصالح بلده، لاستعادة دولة الخلافة المزعومة. كيف تكون مصالحة مع من لا يرى حدودا جغرافية للوطن، ويتحالف مع الشياطين لتحقيق عقيدة الحاكمية وشمولية حكم العالم بالأنظمة الإرهابية، باسم الإسلام؟.
إن الذي يدعو إلى المصالحة اليوم مع المتعاطفين الذين لم ينضموا إلى الجماعة الإخوانية قد يدعونا، لاحقا، إلى الحوار مع قيادات الجماعات الإرهابية، وربما إطلاق الجناة الملوثة أيديهم بالإرهاب أو المتخمة جيوبهم بالدولارات والريالات القطرية لخيانة أوطانهم، بعدما ملؤوا جيوب الدعاة للمصالحة والتعاطف مع محبي الجماعة الإرهابية!
والحقيقة، أنه لا يوجد هناك شيء اسمه متعاطف، لأن المتعاطف هو إخواني مجرم، يرضى في قرارة نفسه بحمل السلاح والقتل والتفجير، بل ربما تستر وآوى وجلب خامة مواد التفجير، وألبس الإرهابي السلاح. فهو بالتالي، أشد جرما، لا سيما أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد لعنه كما روى ذلك مسلم: «لعن الله من آوى محدثا»، ولم يلعن المحدث نفسه.
الدعوة إلى احتواء المتعاطفين مع الجماعة الإرهابية، هي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، فهم -أي الإخوان- كلما أحسوا أن الأرض زلزلت تحت أقدامهم، وبريقهم أخذ في الخفوت والتلاشي، أخذوا يطلقون بالون اختبار ليقيسوا ردود الأفعال.
إن ما يحصل من مصالحة مع الجماعات الإرهابية والمتعاطفين معها في أي بقعة في كوكبنا، يُرخي بظلاله السيئة على المجتمع الدولي الذي أضحى، اليوم، قرية واحدة، بل جسدا واحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد، فيتأثر هذا الجسد بما يحدث لأعضائه هنا وهناك، فما بالك حين يكون التأثير على السعودية ومصر اللتين هما الرئتان المتجاورتان لهذا الجسد الدولي.
المتعاطف مع الإرهابي أشد خطرا من الإرهابي نفسه، كما سلف، لأن الإرهابي قد يكون إما معروفا بيّنا، أو مندسّا لا ينبس ببنت شفة، بينما المتعاطف قد يكون منظّرا، إعلاميا أو خطيبا أو أكاديميا يُنظّر على العامة، ويشغل الرأي العام بمبادراته ودعواته للشفقة والرأفة بالمجرم، وهناك يوجد في عامة الناس «إمعات» يتلقفون تلك الدعوات العاطفية لتستغلهم الجماعة لتحقيق مصالحها الإجرامية.
الشيخ محمد الغزالي ألّف كتابه «من معالم الحق» عن الجماعة من عشرات السنين، يقول فيه كلاما كأنه اليوم «إن قيادة الإخوان الآن حريصة على الأوضاع الغامضة، والقرارات المريبة الجائرة، وهى مسؤولة أمام الله ثم أمام الناس عن مشاعر الحيرة والبلبلة التي تغمر قلوب الإخوان في كلّ مكان، ثمّ هي -أي الجماعة- مسؤولة من قبل ومن بعد عن الخسائر التي أصابت الحركة الإسلامية في هذا العصر، وعن التهم الشنيعة التي توجه إلى الإسلام من خصومه المتربصين، فقد صورته على أنه نزوات فرد متحكم، كما صورت هيئة الإخوان المسلمين وكأنها حزب من الأحزاب المنحلّة تسودها الدّسائس وتسيّرها الأهواء». ?أي أن الجماعة مسؤولة من قبل ومن بعد عن الخسائر الّتي أصابت الدعوة الإسلامية في هذا العصر، وعن التهم الشنيعة التي توجه إلى الإسلام من خصومه،? وبالتالي فإن هذا الكلام يرد على الداعين للتعاطف أو المصالحة مع محبي هذه الجماعة المتلونة التي تسودها الدسائس منذ القدم.