يبدو أن السبب الرئيس في شح توفر العملة الصعبة يعود لقيام النظام الإيراني، ممثلا في الحرس الثوري، بسحب الدولار من السوق المحلية وتهريبه للخارج

نعيش هذه الأيام حالة من الاستنفار الدبلوماسي والسياسي والعسكري في منطقة الشرق الأوسط، وقد لا يبالغ الشخص إن قال إنه يشتم رائحة البرود في المنطقة. الساحة السورية ستكون في الغالب قلب هذه الحرب، ولن تكون المعركة محصورة داخل حدودها في الغالب.
قبل أيام كان هناك اجتماع في دمشق جمع الإيرانيين والنظام السوري وآخرين تابعين لهما، وقد أطلق على هذا المؤتمر اسم «القدس وجهتنا»، في محاولة جديدة لما يسمى زورا «محور الممانعة»، لمخادعة الشعوب العربية والإسلامية، ورفع البطاقة الفلسطينية التي أصبحت قميص عثمان للنظام الإيراني وأتباعه في المنطقة، وكأن أيضا هناك ما يمنعهم سابقا أو حاليا من التوجه للقدس عبر الجولان السورية المحتلة من قبل الكيان الصهيوني! في الداخل الإيراني بدأت الاستعدادات لمرحلة جديدة وعلى عدة أصعدة، فعلى المستوى الاقتصادي وربما استعدادا لقرار أميركي بالانسحاب خلال أسابيع من الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1، ولذا أطلق خامنئي على العام الفارسي الجديد اسم «عام المنتجات المحلية» في توقع واضح لعودة العقوبات الغربية خلال النصف الثاني من العام الحالي.
أيضا شهدت العملة الإيرانية تراجعا غير مسبوق في قيمتها مقابل العملات الأجنبية وبخاصة الدولار الأميركي، حيث بدأ التدهور مطلع الأسبوع الجاري ليكسر حاجز 6000 تومان مقابل الدولار الأميركي الواحد. وقد خسر التومان قرابة 20 % من قيمته خلال ثلاثة أيام فقط، كما تحدثت تقارير عن نفاد شبه كامل للدولار من محلات الصرافة في طهران تحديدا، بينما المئات من الإيرانيين يصطفون في منطقة ميدان فردوسي لمحاولة تحويل ما لديهم من أموال إلى العملات الصعبة. ويبدو أن السبب الرئيس في هذه الأزمة والشح في توفر العملة الصعبة يعود لقيام النظام الإيراني، ممثلا في الحرس الثوري، بسحب الدولار من السوق المحلية وتهريبه للخارج، حيث تحدثت بعض التقارير عن قيام الحرس الثوري بتهريب ما يتجاوز 30 مليار دولار خارج البلاد خلال فترة وجيزة، ولعل هناك حاجة عسكرية قادمة لهذه الأموال خارج حدود إيران.
من جانب آخر، كانت الضربات الإسرائيلية الأخيرة لقاعدة «تيفور T4» العسكرية في العمق السوري ومقتل العديد من بينهم أربعة ضباط إيرانيين، أحدهم خبير في الطائرات بدون طيار، مؤشرا قويا لارتفاع سخونة الأجواء في سورية قبل بدء صيف هذا العام. ما يزيد من احتمالية تحقق هذه التنبؤات الموقف الأميركي - الأوروبي من قيام النظام السوري وربما الروسي باستخدام الغازات السامة المحرمة دوليا ضد المدنيين في منطقة دوما السورية. من جانبها، ألمحت الإدارة الأميركية إلى قرب اتخاذ قرار حيال الأوضاع في سورية، وهذا مؤشر إضافي لاحتمالية تحول سورية إلى منطقة حرب عالمية مصغرة، وبخاصة في ظل التوتر القائم بين الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي من جانب، وروسيا من جانب آخر، مما يجعل سورية مؤهلة لتكون ميدانا لتصفية الحسابات لتلك الدول، وقد تكون المعركة القادمة في توقيت مفاجئ للكثيرين، من حيث التوقيت أو طبيعة العمل العسكري.
وفي ظل ذلك كله، واقع الحال يقول إن الدول العربية غابت أو تم تغييبها عن هذه المعادلة، وتلك الصراعات التي تشهدها أرض عربية تشهد في الوقت الراهن تغييرا في التركيبة الديموغرافية وتهجيرا قسريا للمواطنين، وأيضا إحلال بعض الأجانب مكانهم. وإذ نحن على مشارف عقد القمة العربية فإننا نتطلع لمشروع عربي موحد حتى وإن كان بحده الأدنى لإنقاذ المنطقة العربية من المشاريع الخارجية، وحمايتها من الأخطار الراهنة والمستقبلية التي تحيط بها من كافة الأصعدة، ولا حل سوى الوصول إلى رؤية موحدة في هذا الصدد والبدء في تنفيذها.