من ثنايا انطباعاتها ضمن الوفد السعودي الزائر لأميركا هذه الأيام تقول الأخت، هند الزاهد، ما يلي: «بكل ذكاء وفطنة تحولت الصورة الذهنية للمملكة المتشددة دينياً وفكرياً، وأصبح ينظر لها على أنها قائدة التغيير في العالم العربي، وهذا ما لمسته خلال الزيارة». وسأعلق في البدء: نحن لا نتغير أو نتحول من أجل صورتنا أمام العالم فقط وإن كان هذا حقا طبيعيا مقبولا، بل نفعل هذا كي نعيش وكي نشعر بالحد الطبيعي من فطرة الإنسان مع الحياة. نحن نتحول ونتغير من أجل الهدف الأسمى وهو إنقاذ صورة هذا الدين العظيم الذي اختطفته فئام من أهله، ثم حبسته في إطار ضيق، وبات المنتسبون إليه هم الضحية التلقائية.
كيف حصل هذا الربيع السعودي في فترة أقل من فصول سنة واحدة؟ باختصار لأن هذا الأمير الشاب الجريء أدرك بكل بساطة أن قرار التغيير بيد القيادة لا بيد المجتمع. اتخذ القرار وكسر أسطوانة التخويف التي خدعتنا لأكثر من أربعين سنة. كنا من قبل أسرى للجملة النمطية المحنطة التي كانت تقول إن المجتمع لا زال غير جاهز أو مستعد لهذا القرار أو لتلك الخطوة. مكثنا لعقود في ذات المربع الذي يتحدث عن مجتمع القرار وقرار المجتمع، دون أن نعي حقائق التاريخ: كل المجتمعات ستنقسم تلقائياً حول أي فكرة وتجاه أي مشروع. القيادة الحقيقية هي من يتخذ القرار الشجاع كي يكون الانقسام المجتمعي ورقة في متحف التاريخ. وحين أراجع اليوم ما كنا نكتب من قبل اكتشف أن هذه القيادة قد أغلقت علينا وإلى الأبد كثيراً من ملفات صراعاتنا البيزنطية التي كنا نتطاحن من حولها، مدرسة في مواجهة مدرسة. قلصت علينا قصص الاختلاف المجتمعي التي كنا نلعب فيها أدوار البطولة على حساب الغد والمستقبل. انتهت تلك القضايا الشائكة التي كنا نبحث في ثناياها عن بطولات شعبوية. سأكتب غداً عن السؤال الشائك: عن هامش حرية التعبير وعن متن حرية الاعتراض!!