عبدالله الغامدي

كم من الحبر أسيل حول هيبة المعلم، وكم من الذكريات استدعيت من صناديق الذاكرة حول سطوة المعلم، وكم من الزفرات تعالت حسرة على الزمن الجميل الذي ذهب بالمعلم وهيبته وزج بهما في دهاليز النسيان ومعتقلات الوجدان!
وما زالت مجالس المعلمين تدحرج كرة اللوم نحو وزارة التعليم حينما تذكر مواقف المعلم المهيبة وغاراته المدججة بالسوط والسطوة، حتى يوشك كل من تحدث عن هذا أن يقول (مات التعليم يوم ماتت هيبة المعلم).
ولست أدري والله حتى هذه الساعة ما علاقة التعلم بالهيبة! وما صلة التعليم بالتنمر! وما وجه الشبه بين حمل العصا واستدراج الفكر والفهم في آن واحد!
أي تعليم يمكن استخراجه من رحم الخوف؟ وأي فهم يمكن التعويل عليه في ظل الارتعاد؟ بل وأي نور -إذا سلمنا أن العلم نور- يمكن الاسترشاد به في مزالق الرعب والهلع؟
ما يسمى «هيبة المعلم» في نظري المتواضع وصمة عار على جبين من جعلها رديفا للخوف من المعلم، ذلك أنه حينما تعتقد أمة أنها تتعلم بالجلد وتدرك بالعصا فهي تنتقل بإنسانيتها الفطرية نحو واد آخر لا يليق به سوى السحق والطحن بل والدهس!
أي هيبة يتحدث عنها من يكسر يد طفل غض في مراحل التعلم الأولى؟ وأي عقل يوصف بأنه يتفتق حكمة حينما يقول موصيا معلم أبنائه (لك اللحم ولنا العظم)، أي جهل مخضب وكسر مركب يعتري عقولا تؤمن بأن العقل يتفتح بالصفع ويحتد بالذل والإهانة، أي معلم هذا؟ وأي فكر هذا؟ بل وأي حماقة هذه؟
العلم هو الجسر الأمكن الذي يجلب للمعلم الوقار لا الهيبة، الحب هو الطريق الأقصر إلى رفعة المعلم لا هيبته، الإخلاص هو الخلطة الألذ التي يسيل لها لعاب المتعلم فلا يرى أزكى من معلمه ولا أجمل من أستاذه ولا أروع من مدرسه..
كم يؤلمني أن نبقى كثيرا نحوم في فوضى المفاهيم نستردها من تراث بائد دون أن نفكر فيها ولو لبرهة، مع أننا لو فعلنا لسخرنا من ذواتنا التي أصمتت نداء العقول لسنين، بل وأخرست نواميس الفطرة البشرية لأجيال خير مجيب وأفضل جواب!
سأعلم من عرفت ومن لم أعرف ألا يهاب، فليست الهيبة إلا رداء المذنب المقصر، ولم ولن تكون يوما لحاف المجد والمجتهد والمثابر، وسأسعد كلما رأيت معلما أنار الله بصره وبصيرته، يحمل مشعل هداية بيمينه ورسالة حب بشماله، لأجل أمة ولأجل إنسانية، بل ولأجل كون.